ليس دفاعاً عن اجتماع جدة للطاقة
ربط عدد من المحللين والمتابعين لأوضاع أسواق النفط العالمية، نجاح اجتماع جدة للطاقة، الذي عقد في محافظة جدة في 22 حزيران (يونيو) من العام الجاري، بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -، بمدى قدرته على التأثير السريع في خفض أسعار النفط العالمية، التي قد سجلت ارتفاعاً كبيراً قبل انعقاده، حيث قد تجاوز سعر بيع برميل النفط مبلغ 139 دولارا أمريكيا، لكن وعلى الرغم من ذلك وبعد مضي نحو أسبوعين من انعقاد الاجتماع، سجلت الأسعار ارتفاعا آخر كبيراً، حيث قد تجاوز سعر بيع برميل النفط في الأسواق العالمية مبلغ 145 دولارا.
في رأيي، وليس هذا دفاعاً عن اجتماع جدة للطاقة، نتيجة لعدم إلمام أولئك المحللين والمتابعين، الإلمام الكافي بأهداف الاجتماع الأساسية والرئيس، دعاهم إلى ذلك الربط، الذي، وكما أسلفت، المتمثل في قدرة الاجتماع على خفض أسعار النفط العالمية، ومن هذا المنطلق لزم الأمر التوضيح بأن الهدف الرئيس والأساسي من وراء عقد ذلك الاجتماع، لم يكن في الأساس الوصول إلى قرار يحدد سعرا معينا لبيع برميل النفط، إنما كان الهدف هو فتح باب الحوار بين المنتجين والمستهلكين للنفط ومناقشة أوضاع السوق النفطية الدولية، والارتفاع الحالي في أسعار البترول، وبحث كيف يمكن أن تتعاون الدول المنتجة والمستهلكة والمنظمات ذات العلاقة، وشركات البترول الرئيسة فيما بينها من أجل التعامل مع هذه الظاهرة، بغية استقرار أوضاع السوق.
في رأيي كذلك أن الاجتماع المذكور حاول أن يرسل رسائل واضحة للعالم، بأن ارتفاع أسعار النفط العالمية لا يعكس بالضرورة أن هناك اختلالا أو فجوة حقيقية بين العرض والطلب على النفط، الأمر الذي أكدت عليه وكالة الطاقة الدولية، حينما أوضحت لوكالة رويترز أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع بأبطأ معدل له في ست سنوات خلال عام 2008 بعد أن خفضت العديد من الدول النامية دعمها الوقود خلال الفترة الأخيرة، ما يحد من الطلب على النفط، وهذا الأمر قد أكده مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة بتاريخ 9 حزيران (يونيو)، حينما أوضح أن الارتفاع الحالي في أسعار النفط العالمية ليس له ما يبرره من حيث المعطيات البترولية وأساسيات السوق، وأن السوق البترولية لديها عرض كاف من النفط، وأكده كذلك شكيب خليل رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، حينما أوضح أن السوق متوازنة وأن الأسعار المرتفعة لا علاقة لها بأساسيات السوق.
إن غياب الثقافة النفطية لدى البعض بالذات، الثقافة المرتبطة بالأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار النفط العالمية، حدا بهم إلى ربط نجاح اجتماع جدة للطاقة بقدرته على التأثير في الأسعار العالمية للنفط بالانخفاض، ولاسيما أن هناك اعتقادا خاطئا سائد في السوق، أن مشكلة ارتفاع الأسعار لها ارتباط وثيق بنقص المعروض من النفط، وبالذات في ظل الطلب المتنامي على النفط من قبل عدد من دول العالم التي تواجه نموا اقتصاديا غير مسبوق، مثال الهند والصين.
أخيرا وليس أخيرا في رأيي أن اجتماع جدة للطاقة قد حقق نجاحا كبيرا في تشخيص الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الأسعار، التي أشار إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - بكلمته أمام الاجتماع المذكور، التي من بينها: عبث المضاربين بالسوق في سبيل تحقيق مصالح أنانية، وزيادة الاستهلاك في عدد من الاقتصادات الصاعدة، وفرض الضرائب المتزايدة على البترول في عدد من الدول المستهلكة.
خلاصة القول، إن اجتماع جدة للطاقة قد حقق في رأيي نجاحا كبيرا في قدرته على الجمع بين المنتجين والمستهلكين الرئيسين للنفط على مستوى العالم على طاولة حوار واحدة للتشاور وتبادل الرأي حول معطيات وفرضيات وأداء سوق النفط العالمية، بما في ذلك تشخيص الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار النفط العالمية.
إن الاجتماع في رأيي كذلك، قد نجح في إزالة اللبس الحاصل لدى الدول المستهلكة للنفط، بأن هناك نقصا مستمرا في المعروض من النفط في الأسواق، وهذا هو الذي يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، ما يتطلب من الدول المنتجة للنفط، وبالذات من دول "أوبك" الاستمرار في تزويد الأسواق بالنفط بصرف النظر عن حاجة الأسواق الحقيقية إلى ذلك.
الاجتماع أيضاً قد نجح في التأكيد على ضرورة تكاتف الجهود العالمية واستمرار التعاون بين الدول المصدرة والمستهلكة للنفط، لحل مشكلة ارتفاع الأسعار من خلال تقليل الطلب على النفط، وترشيد استخدامات الطاقة، بما في ذلك تنويع مصادرها.
أخيراً وليس آخرا الاجتماع في رأيي قد حقق نتائج باهرة تفوق بكثير قدرته على خفض الأسعار، بالذات المرتبطة بتوحيد الرؤى والمفاهيم حول مفهوم استقرار إمدادات النفط للأسواق العالمية، بما في ذلك القضاء على الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع الأسعار، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المضاربات المفرطة، وضرائب الكربون المرتفعة التي تفرضها الدول الصناعية الكبرى على مستخدمي الطاقة، ومن هذا المنطلق قد شدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته الافتتاحية أمام الاجتماع المذكور، على ضرورة كشف اللثام عن وجه الحقيقة واستبعاد الأقاويل والشائعات المغرضة للوصول إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ارتفاع الأسعار وكيفية التعامل معها في جو مفعم بالشفافية والوضوح، والله من وراء القصد.
طلعت بن زكي حافظ
مستشار وكاتب اقتصادي