سوق الأسهم.. من المسؤول عن توازنها؟
لا شك أن الحالة المضطربة التي تشهدها سوق الأسهم السعودية أمر يدعو للقلق لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وما تمخض عنها من تآكل في مداخيل ومدخرات المواطنين نتيجة للتضخم في أسعار السلع والخدمات. فبينما شرعت الدولة في تطبيق حزمة من القرارات والمبادرات للسيطرة على موجة الغلاء وتحسين مستوى المعيشة، فوجئ الجميع بالخسائر المتلاحقة في السوق المالية التي بلغت نسبتها 23 في المائة خلال شهر واحد فقط، إذ أقفل المؤشر يوم الأربعاء الماضي الموافق السادس من صفر عند مستوى (9185) نقطة منحدراً من مستوى (11895) نقطة الذي كان قد بلغه في يوم الثالث من محرم الماضي. تلك الخسائر لو شئنا ترجمتها بالريال لربما فاقت مبلغ الـ 400 مليار.
لكن الحجم الكبير لخسائر السوق ليس هو المصدر الوحيد للقلق عليها فحسب، بل أن هشاشتها وحركتها المرتبكة التي تبدو لبعض المراقبين غير مبررة تعد أكثر مدعاة للقلق. إذ لو بقيت السوق على تلك الحال سنجهض تدريجياً كل جهودنا وبرامجنا في جذب استثمارات مالية جادة تبحث عن قنوات مستقرة آمنة، وسنرى تلك الاستثمارات بما في ذلك بعض رؤوس الأموال الوطنية تنعم بها أسواق مجاورة وما يتبع ذلك من فرص عمل وارتفاع في مستوى المعيشة نحن أولى به.
إن هشاشة سوق الأسهم السعودية أصبحت، بكل أسف، صفة ملازمة لها بالرغم من كل المحاولات التي بُذلت والخطوات الإجرائية التي أُدخلت عليها. إذ لم تفلح تلك الإجراءات حتى الآن في شد أزر السوق بشكل مطمئن وانتشالها إلى مستوى عادل ومتوازن في الوقت نفسه. من بين تلك الإجراءات كانت تجزئة قيمة الأسهم، إعادة نسبة التذبذب اليومي إلى 10 في المائة بدلاً من 5 في المائة فقط، السماح للمقيمين بالمشاركة في السوق، تسريع وتيرة الاكتتابات الجديدة، تعديل فترة التداول، فصل نشاط الوساطة عن البنوك وزيادة عدد الشركات المرخص لها بالعمل في ذلك النشاط، تفعيل سلطات هيئة السوق المالية في متابعة وضبط المخالفات وغيرها. ولم تقتصر خيبة المتداولين في أن تلك الإجراءات لم تحقق ما كان منتظراً منها، بل أسهمت الصناديق الاستثمارية التي تديرها البنوك في تفاقم المشكلة بينما كان يُعولُ عليها أن تلعب دوراً قيادياً في انضباط حركة السوق وإيقاعها.
وقد جاءت إحصاءات السوق الأخيرة مؤكدة لما كنا نعرفه من قبل عن أسباب هشاشتها وسيطرة الأفراد على أكثر من 90 في المائة من تداولاتها في ظل غياب تام لما يُعرف بـ "صانع السوق". فقد كتبت قبل عام مقالة في "الاقتصادية" بتاريخ 9/2/1428هـ بينت فيها أن أحد أهم أسباب عدم استقرار السوق هو غياب الملاك الثلاثة الكبار عن المشاركة في ممارسة دورهم في الدفاع عن مصالحهم. أولئك الملاك يسيطرون على أكثر من 60 في المائة من سوق الأسهم السعودية وهم صندوق الاستثمارات العامة، المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتقاعد. إن من طبيعة أية سوق، سواء كانت أوراقاً مالية أو نفطاً أو غيرها، أن يدافع المتداولون عن مصالحهم دون الحاجة إلى إيعاز أو توجيه، وتلك المصلحة تكمن في المحافظة على مستويات عادلة للأسعار بعيداً عن التقلبات الحادة صعوداً أو هبوطاً. بالطبع يختلف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل متداول في الدفاع عن السوق إذ كلما ازدادت حصته في ملكيتها كلما ازدادت مسؤوليته تبعاً لذلك، ومن ثم إذا غاب كبار الملاك عن ممارسة مسؤوليتهم في الدفاع عن مصالحهم في السوق اضطربت أحوالها وباتت هشة على النحو الذي نشاهده في سوق الأسهم السعودية ولن تستقر أبداً مهما فُرض عليها من رقابة أو تنظيم.
ولعل ما يفسر غياب الملاك الثلاثة الكبار في السوق (صندوق الاستثمارات، التأمينات، والتقاعد) عن التفاعل مع ما يجري في ساحتها نجد جذوره في الملكية العامة لتلك المؤسسات وإدارتها بأسلوب يفتقد الحوافز المادية للمسؤولين عن تنمية أصولها. لذلك فإن ما أعلنه وزير المالية في منتدى الرياض الاقتصادي الثالث بتاريخ 23/11/1428هـ عن تأسيس شركة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة برأسمال يصل إلى 20 مليار ريال يشكل بارقة أمل لإدارة أصول الصندوق بأسلوب تجاري يتجاوب مع آليات السوق كمسلك طبيعي تمارسه المؤسسات المماثلة في الأسواق المالية الناضجة على مدار الساعة.
أعود وأقول إن سوق الأسهم ستبقى هشة ومضطربة ما دام أن الملاك الثلاثة الكبار غائبون عنها، لذا دعونا نطالبهم بإلحاح أن يمارسوا مسؤوليتهم في الدفاع عن مصالحهم، سواء كان ذلك من خلال كياناتهم القانونية القائمة أو عبر كيانات أخرى تجارية رديفة كتلك التي أعلن عنها وزير المالية.