في سبيل ثقافة نفطية .. النفط وأهم المضايق المائية العالمية (2 من 2)

[email protected]

تم في الحلقة الماضية الحديث عن زيادة الأهمية الاستراتيجية للمضايق المائية بسبب التحولات الأخيرة في اتجاهات التجارة الخارجية التي يتوقع لها أن تستمر خلال العقود المقبلة. وتم توضيح دور كل من مضيقي هرمز وباب المندب في تجارة النفط العالمية. وسيتم اليوم التركيز على قناة السويس وقناة ملقا.

قناة السويس
اكتسبت قناة السويس أهمية كبيرة في عالم النفط لأنها تعد أسرع طريق يوصل النفط الخليجي إلى أوروبا والولايات المتحدة. وازدادت أهميتها مع توسيع القناة عبر الزمن حيث إن 99 في المائة من ناقلات النفط في العالم يمكنها الآن عبور القناة. يمر في القناة نحو 3.8 مليون برميل يومياً، والتي تمثل نحو 5 في المائة من الطلب العالمي للنفط. تعبر القناة حالياً نحو 270 حاملة نفط شهرياً، ونحو 30 ألف سفينة محملة بمختلف البضائع سنوياً. ونتيجة لعمليات التوسيع فإنه يمكن لسفن طولها 500 متر وعرضها 70 متراً عبور القناة. ورغم ذلك فإنه لا يمكن لحاملات النفط الكبيرة والكبيرة جداً عبور القناة. ورغم قلة عدد الحاملات الكبيرة إلا أنه يتم حالياً توسيع القناة لتستطيع استيعاب أكبر حاملات النفط في العالم بحلول عام 2010. تاريخياً، يحمل أغلب حاملات النفط المتجهة جنوباً مشتقات نفطية، بينما تحمل الناقلات المتجهة شمالاً النفط الخام. إلا أن الأمور بدأت تتغير في الفترات الأخيرة مع زيادة صادرات نفط غرب إفريقيا إلى الصين, حيث بدأت نسبة ناقلات النفط المحملة بالنفط الخام والمتجهة جنوباً في الارتفاع, حيث أصبحت أنجولا أكبر مصدر نفطي للصين ابتداء من الشهر الماضي, نظراً لمسافة القناة الطويلة نسبياً (163 كم), والسرعة المحددة للسفن, فإن عبور القناة يستغرق 11 ساعة للسفن المتجهة شمالاً و16 ساعة للسفن المتجهة جنوباً. وعادة ما تسير السفن على شكل قوافل يومية في كلا الاتجاهين في برنامج تحدده مصلحة القناة مسبقاً. وعادة ما تستغرق السفن المتجهة جنوباً وقتاً أطول بسبب توقفها في منطقة البحيرات (المنزلة, والتمساح, والمرة) لتسمح للسفن المتجهة شمالاً بالعبور, والتي لا يطلب منها الوقوف في المنطقة. وتضطر السفن المتجهة جنوباً للانتظار لأن جزءاً كبيراً من القناة ضيق بحيث لا يسمح بمرور أكثر من سفينة واحدة في اتجاه واحد. يذكر أن هذا النظام يسمح للنفط الخليجي بالوصول إلى الأسواق بشكل أسرع من النفط المتجه من الشمال إلى الجنوب. ومع زيادة الطلب العالمي على الغاز المسال وتركز إنتاجه في عدد محدود من الدول فإنه يتوقع أن تستفيد قناة السويس بشكل كبير من هذه التجارة، خاصة مع زيادة إنتاج قطر من الغاز المسال وزيادة صادراتها إلى الدول الغربية خلال السنوات المقبلة. ولكي تشجع هذه التجارة قامت هيئة السويس بتخفيض الرسوم على ناقلات الغاز المسال حيث تصل هذه التخفيضات إلى 35 في المائة.

مضيق ملقا
يربط مضيق ملقا المحيط الهادي بالمحيط الهندي ويقع بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية إلا أن سنغافورة تطل على فوهته الضيقة البالغة 37 كيلو مترا في الجنوب الشرقي بينما تطل تايلاند على فوهته الواسعة البالغة 370 كيلو مترا في الشمال الغربي. يبلغ طول المضيق 1080 كيلو مترا ويراوح عمقه بين 25 و113 مترا، مما يشكل مشكلة لبعض ناقلات النفط الكبيرة. هناك أماكن كثيرة في المنطقة يمكن للسفن وحاملات النفط أن تمر منها بدلا من المرور في المضيق، إلا أن جوّه الهادئ وسهولة تضاريسه ووضوح الرؤية على مدى العام تجعل تكاليف المرور ونسبة المخاطرة منخفضة مقارنة بالخيارات الأخرى.
ويمر بالمضيق نحو 140 باخرة في المتوسط يوميا، أغلبها تتجه لليابان والصين، وجزء منها للهند والدول الآسيوية الأخرى. للمضيق أهمية استراتيجية لهاتين الدولتين، مما يجعله مهما أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة. فأغلب واردات النفط اليابانية (80 في المائة) تمر بالمضيق، ونحو 50 في المائة من صادراتها أيضاً. يمر في المضيق نحو 1.2 مليون برميل يومياً، وهي كمية تمثل نحو 14 في المائة من الطلب العالمي على النفط. وسيؤدي الطلب المتزايد على النفط في كل من الصين واليابان وغيرهما من دول المنطقة إلى رفع تلك النسبة إلى 20 في المائة بحلول عام 2030.

الخلاصة
تبين مما سبق أن لهذه المضايق المائية أهمية استراتيجية للدول المنتجة والمستهلكة بسبب كمية النفط والبضائع المختلفة التي تمر بها. ورغم تركيز الإعلام العالمي على مضيق هرمز بسبب المشكلات مع إيران، إلا أن اتساع المضيق يجعل من الصعب إغلاقه، أضف إلى ذلك الحماية العسكرية الضخمة التي يتمتع بها المضيق. وينطبق الأمر نفسه على المضايق الأخرى ما عدا قناة السويس. فقناة السويس مازالت عصب الاقتصاد العالمي، ولها ميزات تنفرد بها تجعلها الأكثر عرضة للمخاطر بسبب ضيقها وطولها مقارنة للمضايق الأخرى، ولأنها المضيق الوحيد ضمن المضايق المذكورة أعلاه التي تقع ضمن دولة واحدة، ولا يماثلها في الأمر إلا مضيق الفسفور في تركيا. فرغم الثورة الإيرانية إلا أن ذلك لم يؤد إلى إغلاق مضيق هرمز بسبب وقوعه ضمن عدة دول، ورغم سقوط الحكومة الصومالية إلا أن ذلك لم يغلق باب المندب لوقوعه ضمن عدة دول. ولكن تم إغلاق قناة السويس عدة مرات بسبب مشكلات خاصة بمصر. لهذا، وبغض النظر عما إذا كانت مصر "أم الدنيا" أم لا، فإن قناة السويس هي "أم المضايق المائية" لأنها أخطر المضايق المائية وأكثرها أهمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي