متى يتجاوب الوزراء مع مطالب الصناعيين؟
منذ أن أنشأت الدولة وزارة الصناعة وهي لم تأل جهدا في تشجيع الصناعة والصناعيين والمستثمرين الوطنيين والأجانب، والجميع يعرف ما قدمته الدولة للصناعة من إنشاء مدن صناعية وإعفاءات جمركية على المواد الخام ونصف المصنعة والآلات وقطع الغيار وكذلك في السابق من إعفاء المستثمر الأجنبي من ضرائب الدخل لمدة عشر سنوات وتقديم القروض الميسرة وغيرها من قرارات عديدة نقلت الصناعة من العدم إلى مستوى لا يمكن تجاهله واستثمرت الدولة أكثر من ثمانية وتسعين ألفا وستمائة مليون ريال في الجبيل وينبع، مما جعلهما على خريطة العالم في الصناعة البتروكيماوية، وما زالت الهيئة الملكية توفر للمستثمرين الأرض المطورة بسعر ريال واحد للمتر المربع، وهذه ميزة للصناعيين في الهيئة.
وتضع الدولة اللمسات الأخيرة على اعتماد الاستراتيجية الوطنية الصناعية والتي إذا اعتمدت ورصدت لها المبالغ اللازمة لتنفيذها، فإنها أيضا ستنقل الصناعة السعودية إلى مستوى عالمي جديد ويجب الإسراع في إقرار الاستراتيجية وتنفيذها على أرض الواقع، على أن يجري تقييم العمل بها خلال مراحل التنفيذ، ونحتاج لتنفيذ الاستراتيجية الصناعية إلى جهاز فاعل تتوافر له المرونة والاستقلالية والكوادر البشرية المؤهلة. إن اعتماد هذه الاستراتيجية الجديدة دليل واضح على إيمان الدولة بأن الصناعة هي هدف استراتيجي مهم للتنمية المستدامة وتشغيل الأيدي الوطنية التي ستتخرج بالألوف من معاهد وكليات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فمن يفكر فيما ذكرناه يظن أن الصناعة الوطنية تطير على بساط الريح.
إن من يرجع إلى ما قامت به بعض الجهات الحكومية مؤخرا من قرارات خاطئة أو ناقصة أو لا تخدم الهدف المقصود منها بعكس مطالب الصناعيين، فيتعجب ويتساءل مثلنا متى تستجيب الجهات الحكومية لمطالب الصناعيين؟ خصوصا الصغار والمبتدئين منهم وهم الأساس في تشغيل الأيدي العاملة المستقبلية. إن الصناعيين يطالبون المجلس الاقتصادي الأعلى بالاستجابة لمطالبهم التي كرروها، ولقد جف ريق أعضاء اللجنة الوطنية الصناعية وهم يطالبون بإزالة العوائق واتخاذ القرارات التي طالبوا بها لسنين عديدة، وأول هذه المطالبات هي إعادة وزارة الصناعة لهم بفصلها عن وزارة التجارة والصناعة وهذا المطلب ليس جديدا حتى لا يظن معالي وزير التجارة والصناعة عبد الله بن أحمد يوسف زينل أن مطالب الصناعيين لها علاقة بقدراته أو شخصه، بل هو الرجل القوي الأمين في المكان المناسب، ولكن وزارة التجارة لها مطالبها الكثيرة وهي بعيدة جدا عن المستوى الذي يجب أن تكون عليه، ويرى الصناعيون أنه بعد اعتماد الاستراتيجية الصناعية الجديدة يجب أن ترجع لهم وزارتهم ولا يقبلوا بأن يعين نائب وزير لشؤون الصناعة لوزير التجارة والصناعة. إن فصل الوزارة واستقلالها كما كانت أمر ضروري ولا بد منه اليوم قبل غد.
والثانية أن الدولة صرفت نحو 2.200 مليون ريال على إنشاء المدن الصناعية منذ نشأتها، بينما تصل رؤوس الأموال المستثمرة في هذه المدن من قبل القطاع الخاص أكثر من 70 ألف مليون ريال، لذلك فإن توفير الأراضي الصناعية المطورة في المدن الصناعية الجديدة والمناطق النائية لا يتم إلا بعد وضع ميزانية من الدولة لهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية بعد تعديل تنظيمها ورصد 15 ألف مليون ريال للخمس سنوات المقبلة، وهذا المبلغ لا يمثل 15 في المائة فيما صرفته الدولة على الهيئة الملكية للجبيل وينبع. وإذا أسعفتني الذاكرة، فإن الدولة خصصت نحو خمسة آلاف مليون ريال للهيئة الملكية لهذا العام، فالمبلغ المطلوب غير مبالغ فيه، خصوصا أن عدد العمالة السعودية اليوم العاملة في المدن الصناعية تبلغ ثلاث أضعاف الأيدي السعودية العاملة على أراضي الهيئة الملكية ولا صناعة دون أراض صناعية مطورة مزودة بالخدمات بأسعار منافسة أو متساوية مع ما تقدمه الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
وثالثا هي هيئة تنمية الصادرات السعودية، والتي اعتمدت ولم تبدأ عملها وإن كان نظامها تجاهل وجود هيئة تنمية الصادرات السعودية في مجلس الغرف القائمة فعلا بخدمة المصدرين منذ أكثر من 20 عاما لذلك يطالب المصدرون بأن تعتمد هذه الهيئة الموجودة تحت مظلة مجلس الغرف السعودية كنواة فعالة للهيئة الجديدة وأن تعتمد الميزانيات اللازمة لقيامها بعملها، وأن يكون لها سلم رواتب خاص بها ومنفصل عن سلم رواتب موظفي الدولة، لأن مسؤوليتها وكوادر من سيعمل فيها داخل المملكة وخارجها من سعوديين وغيرهم يجب أن يكونوا على سلم رواتب منافس لهيئات التصدير الدولية المنافسة.
ورابعا أن يطلب المجلس الاقتصادي الأعلى من معالي وزير المالية نشر الحوافز التي وعد بدراستها حين صدر نظام ضريبة الدخل ونظام ضريبة الاستقطاع الجديدين للمستثمرين الأجانب والسعوديين في المناطق النائية أو الصناعات التي تحتاج إلى دعم أو استثمارات كبيرة مثل صناعة التعدين مثلا، فإن لم يوجد عند معاليه مقترح جاهز، فليتفضل ويكلف من وزارته من يتفاوض مع مجلس الغرف السعودية اللجنة الوطنية الصناعية للاتفاق على أفضل الحوافز العملية.
وخامسا تأكيد أهمية استقرار النظم والسياسات ذات المساس بالصناعة، واستمرار تقديم الحوافز والبعد عن القرارات الفجائية التي من شأنها إرباك سير تنفيذ الاستراتيجية وتقدم الصناعة الوطنية والاستمرار في التزام الدولة في توصيل الخدمات إلى المناطق الصناعية المطورة حيث خصصت مشكورة في آخر ميزانية ألفي مليون ريال لهذا الغرض.
العوائق متعددة ولكن من دون وزارة صناعة مستقلة وفاعلة ومدن صناعية مطورة مزودة بالخدمات والحضانات وهيئة للصادرات واستراتيجية معتمدة فلن يبقى لهذه العوائق معنى، لفقدان فرص الاستثمار المنافس وفرص العمل للأيدي الوطنية وصغار المستثمرين..فهل من مجيب!