مناهج التعليم تعطينا سمكة!

[email protected]

إن أنت أعطيت الإنسان سمكة أطعمته ليوم، وإن أنت علمته كيف يصيد السمك فقد أطعمته طول حياته. هكذا تعلمنا الحكمة الصينية. ولكن أكثر المناهج التعليمية في الدول النامية مازالت تعطي الطالب سمكة كل يوم، فينشأ يبحث عن اليد التي تعطيه السمك، ويطور مهارات معرفة اليد ذات السمكة الأكبر، ويجعل بين نفسه وبين الصيد ذلك الذي يقدم له السمك يومياً، حيث تغرس فيه هذه العادة أنه ليس من الحكمة أن تذهب إلى البحر وترمي شباكك، فقد ترزق بشيء وقد لا يأتيك شيء، ولكن على البر يأتيك بالسمكة كل يوم من لا يتأخر عنك، وإن تأخر فربما لعذر، وما قتل الجوع أحداً.
بتخريج طلاب يعتمدون على المحتوى، فإننا نخرج جيلاً يبحث عمن يعطيه المعلومة، لذلك سيبقى أبد الدهر جيلاً مستهلكاً لأفكار الغير الخلاقة. وسيصبح التجديد والتغيير مرفوضاً بطريقة آلية نظراً لكونه يتعارض مع المحتوى الذي يحمله الطالب، مما يصعب معه مجاراة الحياة المتغيرة.
والبديل هو التعليم بالمهارات، وليس بالمحتوى. حين نعلم الطالب كيف يبحث عن المعلومة الصحيحة، وكيف يميز الصحيح من الخاطئ، وكيف يطور نفسه ومهاراته، فإننا نخلق إنساناً قادراً ليس فقط على المنافسة، بل على الابتكار والتجديد والاستباق. وهذه آلية التعليم التي انتهجتها أغلب الدول المتقدمة نظراً لفاعليتها ومراعاتها للفروقات الفردية بين الطلاب، فحين تستحث همة الطالب وتحرك فضوله نحو التعلم، اطرح المشكلة واشرح طرق البحث عن المعلومة، واترك للطالب مهمة البحث والتمحيص.
خرجت مواد مهارات التعلم، والتفكير النقدي لتبرز الدور الرائد لمواد المهارات على مواد المحتوى، التي تعطي الطالب معلومات تحفظ ثم تعاد في يوم الاختبار، لتضيع بعد ذلك في بحر النسيان. ولكن المهارات لا تنسى بسهولة، ويمكن استعادتها بسرعة أكبر من استعادة المحتوى. كما أن المهارات تساعد الإنسان على تطوير نفسه بنفسه. وهذا ما حدا بمنظمات عالمية (مثل اليونيسيف) لتعيد تعريف وتقديم التعليم النوعي بتركيزه على المهارات وليس المحتوى.
يعترض كثير من الطلاب على بعض المواد، ويقاومون فرضها عليهم كونها لا تدخل في مجال اهتماماتهم، أو حتى في مجال تخصصاتهم حين يكونون في الجامعة. ولا يمكن أن نعترض كثيراً على ذلك فالرغبة لدى الطالب حافز مهم في آليات التعلم لا يمكن إغفاله، ولكن حين يعلم الطالب كيف يستثمر مهاراته فإنه لا يكون ملزماً بالمحتوى، بل بإمكانه تبديل المحتوى بما يرغب تعلمه، ما يزيد من حماسته في اكتساب المهارة، وإعطائه دوراً أكبر في تقرير ما يمكن أن يدرسه. في المدارس التي تطبق طريقة التعلم بالمهارات فاقت قدرات الطلاب واكتسابهم المعرفي الطريقة التقليدية التي ترى الطلاب بنفس العين، وتقيسهم بنفس الدرجة، وتعطيهم نفس المحتوى بنفس الكمية. ولعل هذا من العدل غير المحمود الذي يحتوي، ولا شك، ظلماً كبيرا. فالله لم يخلق جميع البشر بنفس القدرات والإمكانات، فما يتعلمه طالب في شهر يمكن لطالب آخر أن يتعلمه في أسبوع، ومن الظلم الحكم على الطالب الثاني بانتظار الطالب الأول حتى يستوعب، وهذا ما سبب فشل عدد من الطلاب الأذكياء إحراز الدرجات العالية في الدراسة، وجميعنا يتذكر قصص العباقرة والمخترعين الذين طردوا من المدارس، وفشلوا (دراسيا) نظراً لكون المدارس تريد منهم أن يصبحوا مثل غيرهم، ولكن الله لم يخلقهم مثل غيرهم.
إن الأصعب من تعليم الطلاب المتأخرين هو تعليم الطلاب الموهوبين، فالتركيز على المحتوى يثنيهم عن الدراسة نظراً لكونها لا تقدم تحدياً حقيقياً لإمكاناتهم الذهنية، ولكن التعليم بالمهارات يترك لهم الحرية في توظيف هذه المهارات، حسب ما تتيحه قدراتهم واهتماماتهم، ويتم استمالتهم للمعرفة، والتحقق من قدرتهم على الإبداع والتجاوب مع الأستاذ، الذي حينها لن يكون مجرد مقدم معلومة، أو مانحا للعلم، بل مساعداً للطالب لتحقيق قدراته ومهاراته، ليتمكن من الصيد في عالم المعرفة الكبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي