مسكن مناسب لكل مواطن
المصاعب والتحديات هي من سنن الحياة. لكننا معنيون بمواجهتها بكل ما أوتينا من إمكانات وقدرات. لن نلام على الاجتهاد والعمل، لكننا سوف نلام على التقصير والتجاهل. وتجاهل الأزمات أو تأجيل حلها لا يفيد في شيء، بل يزيدها تعقيدا وصعوبة. وقد لمسنا جميعا النتائج الكارثية لعدم الاستعداد والتخطيط المسبق لآثار ارتفاع عوائد النفط وتنفيذ برامج الإنفاق الحكومي الطموح وارتفاع حجم السيولة على مستوى الأسعار وتكاليف المعيشة. كما رأينا نتائج تأخرنا في التصدي للمشاكل التنظيمية والتمويلية المتراكمة في قطاع العقار والإسكان، في بلد ينمو سكانه بمعدلات مرتفعة وتشكل فيه الفئة العمرية الأقل من 30 عاما ما نسبته نحو 60 في المائة تقريبا من السكان. ثم اجتمعت مشكلة الغلاء مع مشاكل قطاع العقار والإسكان المتراكمة لتزيد من قلق المراقبين من تباطؤ قدرة اقتصادنا على توليد العدد الكافي من الوحدات السكنية بما يناسب النمو الكبير في الطلب عليها.
كنا بحاجة إلى جهة عامة تتولى الإشراف على مشكلة الإسكان في مجتمعنا، وتضع لها الخطط والحلول العاجلة، تجاه هذا النمو السكاني السريع في مجتمعنا، وتجاه ارتفاع نسب التركز السكاني في المدن الرئيسة بسبب الهجرة إليها من القرى والهجر خلال العقود الماضية. وقد أصبح لدينا اليوم بحمد الله هيئة عامة للإسكان، ونتوقع أن يكون من أولى مهامها تبني خطة عامة للإسكان تغطي فترة 20 عاما مقبلة على الأقل.
والمأمول هو أن نتحرك لحل هذه المشكلة من جوانبها المتعددة: القانونية والتنظيمية والتنفيذية والتمويلية. فمن الناحية القانونية، نحتاج إلى حلول جذرية وحاسمة فيما يتعلق بمسألة ندرة الأراضي القريبة من المدن والصالحة للسكن بسبب تراكم ظاهرة الاستحواذ الفردي المستمر لمساحات شاسعة. يجب أن يتصدى لهذه المعضلة رجال من ذوى الهمم العالية والبصائر النافذة من الذين يقدرون حجم المشكلة الراهنة وحاجات الأجيال المقبلة والمخاطر المستقبلية المتوقعة لعدم علاج هذه الانحرافات علاجا جذريا.
ومن الناحية التنظيمية، علينا أن نولي مسألة التركز السكاني في المدن عناية خاصة. لأنها تولد ضغوطا مستمرة على الخدمات وأسعار الأراضي والمساكن. ولن تثمر حلولنا الإسكانية دون مراعاة توزيع المشاريع المولدة للوظائف وفرص التدريب على أكبر عدد ممكن من مدن وقرى البلاد وفقا للكثافة السكانية.
أما من حيث التنفيذ، فإن أفضل تنفيذ للمشاريع الإسكانية ذلك الذي يتم من خلال شركات تطوير عقاري متخصصة ومتمكنة، تقوم بتطوير وبناء أحياء سكنية كاملة.
وأخيرا، فإن الجميع غدا يعرف أننا في حاجة إلى نظام للرهن العقاري يضمن حقوق جميع الأطراف، وهو مطلب أساسي لا غنى لنظامنا التمويلي عنه، لأنه سيوفر الضمانات الكافية لتشجع البنوك على تصميم برامج تمكن الناس من دفع أقساط تمليك بدلا من أقساط إيجار. وتخوف البعض من هذا النظام هو تخوف في غير محله، لأنها ظنون تتعلق بكيفية التطبيق لا بأصل النظام وضرورته. ويجب أن يسعنا ما وسع الآخرين من الأمم التي سبقتنا في تطوير المنظومة الإسكانية. لا أن نفكر في إعادة اختراع أو اكتشاف ما هو مخترع ومكتشف! فلا يصح أن يبقى الموظف السعودي يصرف نحو 30 في المائة من راتبه الشهري على المسكن المستأجر دون أن ينتهي بتملكه لهذه الوحدة السكنية.
إن نظام الرهن العقاري بما يوفره من ضمانات سيقلل من مخاطر التمويل ومن تكاليفه، كما سيشجع على تصميم صناديق استثمارية تجمع رؤوس الأموال من المستثمرين من خلال طرح صكوك عقارية تدفع عوائد معقولة لهم، ثم تستخدم هذه الأموال المجمعة لتمويل بناء وتطوير المساكن وتقسيطها على الأفراد. وليكن شعار هيئة الإسكان الوليدة: مسكن مناسب لكل مواطن.