لقافــــــــــة
الحب العذري (حب تربص) (1)
في مقالات سابقة ذكرنا أن العشق هو (الإفراط في الحب).. والحب إذا اشتد يكون (هوى) – يهوي بالعاشق في مهاو سحيقة أو يكون (صبابة) قال عنها الشاعر:
تشكى المحبون الصبابة ليتني تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
أو يتحول الحب ويكون (شغفا) يأخذ (شغاف القلب) كامرأة العزيز في تعلقها بيوسف ـ عليه السلام ـ حيث (شغفها حبا) أو يصبح (وجدا) أو (جوى) أو (شوقاً) .. و(غراماً) كما قال كثير عزة:
قضى كل ذي دين فوفّى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها
.. وبعد الغرام يكون (الهيام) .. وهو جنون العشق .. فماذا عن (الحب العذري؟)
(الحب العذري) – نظريا – هو الحب الذي عف وحرم المتعة الجسدية هو (حب لا يلتقي فيه الحبيبان).. ولكن لو تم اللقاء؟ هل تثور براكين الحب العذري الساكن؟! وتسن السكاكين؟ .. الله أعلم. ولكن الحديث الشريف يقول: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما).
وعن (الحب العذري) هناك من (مزق القناع عن وجوه العشاق العذريين وأنهم كانوا في حقيقتهم شهوانيين) وقالوا إن الحب العذري (ظاهرة مرضية).
وقالوا إن الحب الذي خلّد وبقي في فكر الإنسان هو ذاك الذي تكون نهاياته حزينة أو تعيسة.. فالحب السعيد نادرا ما يذكره التاريخ حيث لا يكون تأثيره قويا يلهب الخيال ويورث (الخبال).
وأشهر العشاق (العذريين) هو قيس بن الملوح (مجنون ليلى).
ويقول الرواة أن قيس بن الملوح .. (مجنون ليلى).. هو من كابد هذا "الحب العذري" .. والذي وصل به جنون الحب أنه يتمنى رؤية ليلى أو رؤية من يرون ليلى حيث قال:
أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار سلبن قلبي ولكن حب من سكن الديار
ثم قال:
ألا ليت عيني قد رأت من رآكم لعلّي أسلو ساعة من هياميا
وكان يتوقع أن يموت من "داء الصبابة فأوصى خليليه قائلا:
وإن مت من داء الصبابة أبلغا شبيهة ضوء الشمس مني سلاميا
.. هذا "الحب العذري" الذي عصف بمجنون ليلى.. فماذا كان يفكر فيه شيخ العشاق العذريين في عقله الباطن حيث لو كان هناك (وصال)؟ كان عقله الباطن يفكر في ضم ليلاه وتقبيل فاها في ليلة عاصفة عند السحر عندما قال يسأل روح "ليلاه" قائلا:
بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبّلت فاهــا
وهل رفت عليك قرون ليلى رفيف الأقحوانة في نداهــا
كأن قرنفلا وسحيق مسك وصوب الغاديات شملن فاها
وهناك عشاق يتلذذون بالتعذيب والتلذذ بالتعذيب يسمى في علم النفس بـ (المازوكية) .. كما قال الشاعر بن معتوق:
تصاحى وهو (مخدور) الخباب وهل يصحو فتى يهوى الغواني
تدين بالهوى العذري حتــى رأى عز المحبة في الهــوان
وهذا شاعر أندلسي، ابن الزقاق البلنسي يشرح كيف يتعلم (أهل الهوى العذري) كيفية العناق حيث يقول:
كم ليلة لي بعقيق الحمـــى قصّرتها باللثم والاعتنـــاق
في روضة علم أغصانهــا أهل الهوى العذري كيف العناق
والمعنى أن الحب العذري (إذا تعذر اللقاء) يستمر عذريا ويكون الوصال في عالم الخيال لا تدرك مداه الظنون وإذا حصل اللقاء "فسوف يتم أكل التفاح". وإن حصل الزواج تكون (الليالي الملاح).
وفي العدد القادم نذكر (عميد العشاق العذريين) جميل بثينة... فإلى اللقاء.