قاطعوا الدنماركيين
[email protected]
المقاطعة رد فعل حضاري وهادئ ليس فيه انفعال ولا غضب عرمرمي. نعرف جميعا أنه, أي الغضب والانفعال, ليس أكثر من قبض ريح وزبد ضرره أكثر من نفعه, خصوصا في مواجهة فعل يحتاج إلى رد فعل مواز وبالفاعلية نفسها كالتعرض بالإساءة إلى رمز ديني له إجلال ومحبة كرسولنا عليه الصلاة والسلام, وهو فعل ليس فقط مستهجنا بل مشبوها أيضا, فعندما كررت صحف دنماركية مجتمعة مع دعم من قبل عدة مؤسسات إعلامية وثقافية أوروبية, مع الأسف, إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسولنا الأكرم والأطهر, عليه أفضل الصلاة والسلام, بتلك الحجة السمجة المضحكة, حرية التعبير, تأكد لنا أن هناك من يحرك أولئك لإثارة أزمة ورفع وتيرة الخلاف الغربي الإسلامي لقطع الطريق على أي حوار وتفاهم من ناحية, واستغلال ردة الفعل الإسلامية المتوقعة بالمظاهرات الحامية والهدير الصاخب والاعتداءات على مواقع غربية في دول العالم الإسلامي كورقة إثبات في يدهم للقول: انظروا إلى المسلمين كيف يكرهونكم؟ وكم هم عدائيون لا تفاهم معهم, من ناحية أخرى. وقد يقول قائل يضع قناع التعقل والحكمة غير البالغة: إذا كان الأمر كذلك, أي أن هناك من يريد الدس فما ذنب الدنماركيين جميعا؟ ألا يقول القرآن الكريم "ولا تزر وازرة وزر أخرى"؟ نقول نعم, ولكن في حالة تبرأ الدنماركيون من أولئك الذين حاولوا الإساءة لرسولنا وانتقاد فعلتهم واستنكارها وسارعوا لسن قانون ليس فقط يمنع بل يعاقب كل من يمس بالأديان ورموزها التي يؤمن بها مئات الملايين من البشر كما فعلوا بإصدار قانون معاداة السامية والموجه لتجريم كل من ينتقد اليهود ومعاقبة كل من يذكر أو يقلل من حرق النازيين لهم بأفران الغاز فيما يعرف بالهولوكوست, لا أن تبرر فعلتهم ويدافع عنهم باسم حرية التعبير.
نعود للمقاطعة التي نرى أنها الرد الأمثل والأجدى من المظاهرات والصخب والاحتجاجات الوقتية, فالمسلمون لا يمكن أن يبقوا في حالة تظاهر دائم, فمواجهة هذا الصلف الدنماركي والأوروبي لا يمكن أن يكون فاعلا إلا من خلال موقف مؤثر, فالقوم يؤمنون بقاعدة: "مس قلبي ولا تمس جيبي", وليس هناك من رد أبلغ من أن نقاطع ما ينتجونه وكل أنشطتهم الثقافية وغير الثقافية, كإلغاء عرض أفلام دنماركية في المهرجان السينمائي في القاهرة أخيرا من باب التعبير عن موقف رافض حيال اعتبار التعرض للرسول عليه الصلاة والسلام, حرية تعبير وإبداعا, ومسؤولية المقاطعة هي مسؤولية كل فرد, بمعنى أن تأتي المقاطعة كرد فعل شعبي شامل, فلا أحد سيجبرك على شراء بضائع دنماركية, ولن نموت جوعا من دونها مع أن الواجب يفرض علينا تحمل أكثر من الجوع في سبيل ردع من يسيء لرسولنا, عليه الصلاة والسلام. وسلاح المقاطعة لا يتطلب قرار حكومات ولا استئذان سلطات, بل قرار ذاتي يستطيع كل منا اتخاذه وتطبيقه على اعتباره فرض عين وليس كفاية, وهو أيضا مسؤولية المؤسسات والهيئات المدنية والأهلية والثقافية العربية والإسلامية بأن تبادر لمقاطعة كل الأنشطة الدنماركية إلا من اتخذ موقفا واضحا وعلنيا من تلك الإساءات.
إعادة نشر الرسوم مرة أخرى في عدد من الصحف الدنماركية ووجود دعم أوروبي واسع لها هذه المرة, وإن جاء على خلفية ادعاء لم يثبت بمحاولة اغتيال من رسم تلك الرسوم, يكشف أن هناك جهات في الغرب تذكي صناعة الكراهية ضد الإسلام وتعمل على إبقاء الصراع والخلاف مفتوحا عبر النفخ في التخويف من الإسلام فيما يطلق عليه "الإسلاموفوبيا", والشبهة ليست بعيدة عن جهات مسيحية متطرفة ومتحالفة مع خبث صهيوني لمحاربة الإسلام وتشويهه في الغرب بالتحديد للحد من انتشاره واتساعه. فالرد على ما يقال إنه تخطيط للاغتيال لا يكون باغتيال احترام الأديان ورموزها ومشاعر المؤمنين بها كما فعلوا ويفعلون في ردة فعل هي أقرب ما تكون لردة فعل هجمية متخلفة موغلة في الكراهية.