مأزق المشاريع .. وتصحيح المسارات

[email protected]

في ظل هذه التطورات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات العلمية والمعرفية وثورة المعلومات وثورة الجينات الخرافية، تظهر لنا في كلّ مرة صور وأشكال وأنماط جديدة، تبدأ من خلال "فكرة" ومن ثمّ تتحول إلى "مشروع" من خلال البناء الأساسي ومن ثم التطبيق والتجسيد، إلى أن تتكون الرؤية ومن ثم يتكون المركز، فكل شيء يبدأ صغيرا ثم يتطور ويتكامل وقد يكون شأنا فرديا ومن ثم يصبح عاما.
ولكن في البداية وعند القراءة المستقبلية لأي مشروع فإننا قد نتوقع له النجاح أو الفشل على أساس البناء الذي بُني عليه، ومن خلال دراسة المجتمع المتلقي كذلك، نستطيع أن نحدد ملامح المشروع ومدى ملاءمته وصلاحية تطبيقه، فالمشاريع قد تكون مشروعا فكريا أو مشروعا علميا لكن لكليهما بدايات لا نعلم إلى أين تؤول وتنتهي.
ولكننا أحياناً قد نُفاجأ بأن المشروع ذاته بعد سنوات بدأ يتغير مساره، ويتخذ مسارا آخر مختلفا تماماً عن المخطط له، وبدأت تظهر له عيوب وأخطاء، ورغم أنه من البداية كان المفترض أن يكون " مشروع تطوير " أو إحداث تغيير للأفضل فإنه ينعكس ذلك و تبدأ عيوبه بالتأثير بشكل سلبي في المتلقي.
إن فهم الأساسيات في أي مشروع عند التطبيق هي أحد أهم العوامل المؤثرة في نجاحه، ذلك لأن الدارسين للتنبؤات المستقبلية لهذا المشروع قد درسوا على أساس ما وُضع له من مفاهيم، والمشكلة بأن هذه المفاهيم ذاتها هي التي قد تسبب أكبر مشكلة في انحراف المشروع نفسه، وأزمة " المفهوم " يُطلق عليها مسمى " فوضى المصطلحات "، حتى أن هذه الفوضى قد غيّبت بعض الأفكار عن مفهومها الأساسي تماماً.
والمثقف أيضا مشروع وما يحدث الآن وما نراه من " صورة المثقف " على اعتبار أنه كان " مشروع " في البداية، سنلاحظ بأن هذه الصورة وبعد كل هذه السنوات مازالت غائبة عن الرؤية الشفافة، ومازالت مشكلة صراع الهوية تتفاقم فيها.

ومع ملاحظة كثرة الكتب التي تحاول أن توضح صورة المثقف ودوره، من خلال محاولة إيجاد تعريف ثابت له – وهذا ما لم يحدث حتى الآن – فإنها تحاول أن تصحح من مساره الحالي، لتحيد به إلى طريق واضح ومسار ثابت.
ولكننا عندما نحاول أن نصحح من مسارات المشروع, فإننا لن نواجه أزمة متلقى فقط، فلدينا أيضاً أزمة مُرسل، وأزمة إعلام .. وغيرها، وإن محاولة إيجاد خطوات حالية تهدف إلى تصحيحات مستقبلية فقد يتكرر ذات الخطأ السابق إن لم يتّضح بالتحديد أين يكمن الخطأ، ومن أين بدأ هذا الانحراف؟، وحالة المثقف ما هو إلاّ مثال واضح جداً من بين المشاريع التي تعيش في صراع الهوية حتى الآن.
إن المراجعة النقدية للمشروع، والبدء من أساسه، وقراءة ما جرى له من أحداث منذ بدايته حتى الفترة الحالية، أحداث أثرت فيه بشكل مباشر أو غير مباشر هي الطريقة الأفضل لتوضيح الكثير من الأشياء الغائبة عن ذهنية المفكر.
كما فعل- على سبيل المثال – د.محمد عابد الجابري في كتابه " المشروع النهضوي العربي "، حينما تحدث عمّا آل إليه هذا المشروع حالياً، وذلك يتنافى تماماً مع بدايته وأهدافه السابقة، وبدأ بعدها في قراءة الكثير من الأحداث التاريخية التي كان لها دخل في تغيير المسار.
إذاً، فالمشروع مهما كان أساسه صحيحاً، فهناك الكثير من العوامل التي تسير في طريقه وتعترضه أثناء مسيرته، لذلك فأي خطأ يقع فيه هذا المشروع قد لا يعني بالضرورة خطأ في أساسه، ولدينا الكثير من المشاريع حالياً بحاجة ضرورية إلى مراجعة نقدية علّها تصحح مساراتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي