خليج .. فوق الاختلافات!
عندما نطلع على الحال الخليجية وما صاحبها من تغيرات: اقتصادية، سكانية، اجتماعية خلال العقدين السابقين، نلحظ تغيرات في محاور كثيرة. فغير الاستقرار السياسي الذي تحظى به هذه الدول، إلا أن أمراً لافتاًً وجب الوقوف عنده، هذا الأمر يخص استمرار منظومتهم قوية ومتماسكة، لم تختل ولم تضعف حتى في ظل الاختلافات بين بعض دول المجلس، الأمر الذي يحمل في طياته أن بنياناً مؤسسا بشكل قوي ومتين ترتكز عليه هذه الدول، وعلى رأس أولوياته الهم الواحد والمسار المشترك، ناهيك عن البيئة والعادات والظروف الاجتماعية المتشابهة.
التماسك الخليجي المنضوي تحت لواء "دول مجلس التعاون الخليجي" مر بأزمات كثيرة داخلية وخارجية، لكن لم يستكن، ولعل في غزو الكويت دليلا على اللحمة الخليجية والتقارب بين شعوب هذه الدول، فغير الموقف السياسي كانت بيوت الخليجيين مقرا للكويتيين الذين هجروا منازلهم حتى يوم التحرير، وفق موقف تاريخي سياسي واجتماعي لن يتجاهله أو ينساه التاريخ.
هذه التوطئة الطويلة أسوقها لمن يغمزون ويلمزون على الشأن الخليجي، وكأن هذا التقارب والحب والانتماء الواحد قد أضر بهم .. وما ذكر الشواهد البليدة التي يسوقونها عن اختلافات قائمة ومتوغلة بين دول المجلس إلا محض افتراءات وترهات لا يعتد بها .. فإن كانت البحرين وقطر قد احتكمتا إلى محكمة العدل الدولية فذلك والله قمة العقل والحكمة من القيادتين اللتين رضيتا بالحكم وتعانقتا تعبيرا عن عمق المحبة التي يكنها كل منهما للآخر، وانظر .. يا رعاك الله إلى حالهما الآن .. وها هي السعودية وقطر تنفضان غبار الاختلاف وتلتقيان على محبة أكبر وتوافق أعمق، بعد أن انتزعتا كل ما يعكر الأخوة والتلاقي. الخليجيون ما زالوا يقدمون الدرس تلو الآخر إلى ذلك العرق الذي ينتمون إليه المسمى "العرب"، خاصة في التوافق والتلاحم، وتفضيل الشأن العام على الخاص، بل يزيدون على ذلك بأن منظومتهم المسماة دول مجلس التعاون الخليجي تزداد تماسكاً حقبة بعد حقبة، ولا مجال للمزايدة فيما بينهم أو عليهم، مقابل تساقط التجمعات والمنظومات العربية الأخرى "من المحيط إلى ما قبل الخليج".
أختم بقولي لأصحاب الأطروحات المريضة بالإشارة إلى أن الوضع المادي المتميز شأن استغلته دول الخليج خير استغلال سواء لحاضرها ومستقبلها، وحتى لرفاهية شعوبها .. وإن كانت هذه الميزة الأخيرة قد أثارت حقداً أو حتى غيرة لدى البعض فهذا شأنهم، فقط نتركهم "في غيهم يعمهون".