أمانة جدة وحديقة الأنعام

من أمن العقاب أساء الأدب.. هكذا يقول المثل، ولم يتوقع سكان جدة من الأمانة، التي يعانون منها الأمرين، وبصرف النظر عن من يكون أمينا لها فإن أجهزتها الإدارية هي خلف ما يعانيه الساكن في جدة أو المراجع لمعاملاته.
إن حديقة "الحيوان ومتحف الأنعام بتواضعها أصبحت معلما سياحيا لمدينة جدة والمنظمة الغربية ومتنزها ترفيهيا وتعليميا لأطفال جدة وطلاب المدارس والعائلات والسياح وأطفالهم. وكم رأيت أطفالي وأحفادي مسرورين بعد زيارتهم الحديقة وقضاء وقت جميل فيها. ومع صغر الحديقة التي لا تتناسب مع مساحة مدينة جدة أو مقاطعة مكة المكرمة إلا أنها مجهود فردي من مواطن ظن أنه يقدم مشروعا مختلفا، ولا أعتقد أن الحديقة منجم ذهب له ولكن بالتأكيد حبه وخبرته بالحيوانات وسروره بإدخال الفرحة على آلاف الزائرين من الأطفال يجعله يحقق مبتغاه.
إن الحديقة مقامة على أرضين الأولى مساحتها نحو عشرة آلاف متر مربع ومصرح لها من الأمانة كحديقة للحيوان منذ أكثر من 20 عاما والثانية أرض مجاورة كانت في الأصل حديقة في المخطط العام ثم أجرتها الأمانة لحديقة الأنعام لتوسعتها ولمدة خمسة عشر عاما. ثم حولت الأمانة موقع الحديقة المؤجر من حديقة إلى موقع استثماري لزيادة الموارد ورفض المستأجر تغيير الأمانة التي طرحتها في مناقصة ورست على مستثمر آخر لإقامة مبنى بخمسة عشر طابقا مكاتب تجارية وإدارية. كما نشر في الاقتصادية يوم 11/02/2008
لقد صرح مدير إدارة المشاريع الاستثمارية في الأمانة ورئيس لجنة الإزالة بأنه سيتم تسليم الموقع إلى المستثمر الجديد فور الانتهاء من عمليات الإزالة، وصرح المستثمر الجديد "أن مشروعه سيكلف 50 مليون ريال وسيتم تنفيذه فور تسليم الأمانة الموقع لنا، والحصول على الموافقة على المشروع الابتدائي والخرائط النهائية وتصريح البناء". ولا أعلم كيف سيبدأ فورا ولم يحصل حتى الآن على تصريح بناء!
ولا أعتقد أنني أرغب في فتح ملف أمانة جدة فإنه ثقيل ولا يرجع كثير منه لمعالي الأخ المهندس عادل فقيه، بل مشكلات متراكمة عبر السنين برا وبحرا وجوا وحتى تحت الأرض، لذلك سنركز على قضية حديقة الأنعام الجميلة.
لقد سرني التنفيذ السريع لموظفي أمانة جدة للقرارات وتمسكهم بالمصلحة العامة والأنظمة والعقود وحرصهم على سلامة جيران الحديقة وصحتهم، وتخفيف الزحام حول الحديقة وسرعة إنجاز المعاملات وإنهائها حتى لا يضيع وقت الموظف ولا المواطن، وكذلك زيادة إيرادات الأمانة، وأخيرا الهدم القسري (بالبلدوزر) لإثبات عضلات الأمانة. وبعد الهدم للجزء المستأجر العائد إليها، وكذلك ملحقات المسجد من حمامات وأماكن الوضوء، أعلنت الأمانة أنها ستوقف تسليم الموقع للمستثمر الجديد حتى تنتهي اللجنة المشكلة من المجلس البلدي وقدمت اعتذارا للمجلس لعدم التنسيق معه في إزالة المباني والمنشآت الخاصة بها، ويا دار ما دخلك شر، وكأن القضية قضية المجلس لوحده، لقد طفح الكيل وشاطت رائحة هذه القضية. إن من يحتاج إلى الاعتذار هم أطفال جدة وسياحها. ولقد استخدم موظفو الأمانة سياسة التهديد ليس فقط لاسترجاع الجزء المؤجر، بل إزالة الحديقة الأصلية لأنها تسبب الإزعاج للجيران من حركة سير أو مخلفات الحيوانات وغيرها بسبب شكوى أو أكثر قدمت سابقا، وثبت بالدليل القاطع من اللجان المشكلة من الأمانة والمديرية العامة للدفاع المدني في محافظة جدة والشؤون الصحية ومصلحة الأرصاد وحماية البيئة "أن لا يوجد ضرر واضح يستلزم نقلها في الوقت الراهن، ولا سيما أن مثل هذه المنشآت تقدم خدمات ترفيهية وتثقيفية لأهالي جدة وزوارها. وقد ارتأت اللجنة ألا يتم تجديد العقد المبرم مع صاحب الحديقة والأمانة الذي ينتهي بتاريخ 17/02/1427هـ إلا بعد إجراء تقويم للوضع في حينه" وأعتقد أن هذه التوصية لم تسر بعض موظفي الأمانة.
كما ينص تقرير الفريق الفني البيطري الذي قام بزيارة الحديقة بتاريخ 21/02/1428 على "أن مستوى النظافة في الممرات وداخل الحظائر جيد، ولم يلاحظ كثافة غير طبيعية من الحشرات داخل الحديقة وخارجها، وعدم انبعاث روائح كريهة من الداخل أو الخارج، ولم يلاحظ وجود أي مستنقع أو تجمع مائي داخل الحديقة .. إلخ وتعد الحديقة متنفسا ترفيهيا وعلميا وتراثيا للمنطقة ولا تسبب أي ضرر من وجودها الحالي إذا كانت ملتزمة بالضوابط الصحية والبيئية الحالية نفسها وموقعها الحالي لا يشكل أي خطر على صحة الإنسان مثل أغلب حدائق الحيوانات الموجودة في العالم والتي تقع في وسط المدن. وهذا أيضا لم يعجب بعض موظفي الأمانة وتناسوا أن حدائق لندن والقاهرة والكويت وبرلين وفرانكفورت والرياض وغيرها تقع في وسط المدن مع مراعاة الشؤون البيئية والصحية التي أنفقت التقارير المنفصلة على مراعاتها من قبل إدارة الحديقة ولكن الأمانة لها وجهة نظر أخرى.
فبدلا من أن تجدد العقد أو تهديها لها، فضلت أن تؤجر موقع الحديقة إلى مركز تجاري من خمسة عشر طابقا، وكأن المركز لا يسبب مشكلات مواقف. الأمانة نفسها التي تصرح بأبراج وعمائر عالية الأدوار في جدة لا ترى الزحام القائم في جميع الأحياء لعدم وجود مواقف كافية للسكان وزوراهم. الأمانة نفسها التي تحافظ على الصحة وعدم إزعاج جيران الحديقة لم تر عند الإزالة الأرض الغربية المجاورة للحديقة المملوءة بردميات العمائر والقوارض، وليتها لو تكرمت برفعها ما دام موظفوها وصلوا الموقع، كذلك لم ير موظفو الأمانة معارض الرخام والبلاط وورش قطع الرخام الخلفية التابعة لها، على الشارع نفسه والمجاورين للحديقة، لأنها مصرحة لهم ولا شك أنهم لا يضرون السكان ولا يزعجونهم.
ولا أعلم كيف يتجرأ موظفو الأمانة بهدم الجزء المستأجر ومرافق المسجد المقامة عليه بتصريح منها، والمسلم لوزارة الشؤون الإسلامية برقم "1119". وكيف يتجرأ موظفو الأمانة على هدم الحديقة والأمانة طرف في قضية لدى ديوان المظالم مع مالك الحديقة وقد حضر مندوب الأمانة الجلسة الأولى؟. هل هو فرض رأي الأمانة على جميع الأطراف والقبول بالأمر الواقع. أنني لا أستطيع أن اقترح حلا لهذه القضية لأنها معروضة لدى القضاء، ولكن يجب معاقبة كل موظف طرف في هذه القضية حتى يعرف المخطئ أنه سيعاقب ولا تكفي الاعتذارات. إن معاملة الأمانة لقضية الحديقة تعطي مثلا جيدا للثقة لكل مستثمر أجنبي أو وطني للاستثمار على أرض حكومية. وأرجو ألا تغير المؤسسة العامة للموانئ الأرض المؤجرة للغرفة التجارية الصناعية في جدة كمستودعات وتجعلها أبراجا لزيادة إيرادها وتطلب من التجار والصناع هدم منشآتهم وقد تستعين بخبراء الأمانة.
أرجو من الأمانة أن ترد الحديقة إلى ما كانت عليه وتبحث عن موقع آخر للمركز التجاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي