تحديات الفضائيات العربية
وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الأخير وضعوا الحكومات والشعوب العربية أمام تحدٍ جديد.. وهو كيف سيتم التعامل مع ظاهرة الفضائيات التلفزيونية التي انقضت على المشاهد العربي من كل حدب وصوب, فالفضائيات لم يعد ممكنا حجبها ومنعها, بل التحدي هو كيف سيتم التقليل من الأضرار الثقافية والسياسية والاقتصادية التي سوف تحدثها الآن ومستقبلا.
لا يمكن أن نعمم ونقول إن كل ما في الفضاء شر مستطير, ولكن نقول باطمئنان إن أغلب الفضائيات سيكون لها الآثار السلبية المتفاوتة في الخطورة, وهذه ضريبة لا بد أن تدفعها المجتمعات في إطار التحول إلى اقتصاد السوق المفتوح, وفي إطار التحول إلى التعددية السياسية وأيضا في سياق بناء المجتمع المدني, فهذه التحولات سوف تولّد القوى السياسية والتجمعات الفكرية والشركات المستثمرة, وكل واحد من هؤلاء يريد أن يكون له الصوت المعبر أو المنبر الذي يطلق الأفكار أو رأس المال الذي يبحث عن تعظيم الأرباح, ومع هؤلاء لا يمكن أن نتوقع النزعات المثالية والأخلاقية والإنسانية, كل يريد مصلحته بالدرجة الأولى ومن ثم يُعطى الاعتبار لما دون ذلك من مصالح قومية أو وطنية أو .. اجتماعية.
الوضع الذي علينا أن ندركه هو أن المحتوى الإعلامي سوف يصوغه ويوجهه أصحاب هذه المحطات سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو شركات, وإذا كانت الحكومات في العالم العربي قلقة فعلا على ما سوف تنتجه ثقافة الاستهلاك الجماهيري عبر الفضائيات, وهو قلق ينطلق من مسؤولية الحكومات تجاه شعوبها, إذا كانت قلقة فإن عليها أن تأخذ زمام المبادرة وتعمل على إعادة صياغة المؤسسات الإعلامية الحكومية وتقويتها وتجديد خطابها, وأيضا العمل على دعم مؤسسات إعلامية يشرف عليها المجتمع المدني, بحيث تدار على أسس تجارية وتنطلق من أهداف خيرية ووطنية.
وهذا المسار الأخير (الوسط), أي إطلاق المؤسسات غير الربحية, ربما هو الأجدى والأسلم للتعامل مع انفتاح الإعلام المعاصر, فبعد أن ألغت التقنية ما تبقى من حدود بين مصادر الإعلام وتلقيه, سيظل ويبقى الإعلام وتداول المعلومة حاجة إنسانية وسياسية واقتصادية واجتماعية, ومسار الإعلام الذي يدار من المجتمع المدني أوجد نماذج متميزة وفاعلة في الدول المتقدمة, وما زالت بعض المؤسسات في أوروبا وأمريكا تنتج المواد الإعلامية الراقية والمستقلة والمعبرة عن المصالح الوطنية والاجتماعية لمجتمعاتها.
العالم العربي ما زال يعاني الكثير من الاختناقات الاقتصادية والأزمات السياسية والاجتماعية, وفي ظل هذه الأوضاع سوف تتحول وسائل الإعلام إلى وسائل للتخريب السياسي والعبث الأخلاقي إذا تركت توجهها المصالح وبالتالي إسقاط دورها التعليمي والتربوي, ووثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية التي اعتمدها وزراء الإعلام العرب الأسبوع الماضي تضمنت العديد من الجوانب الإيجابية .. ويبقى السؤال: هل الوضع القائم يؤدي إلى تفعيلها؟