الاقتصاد الخفي و دور المواطن الأمني
تطالعنا الصحف من حين لآخر بأخبار عمالة وافدة تدير أنشطة اقتصادية مهمة إما عن طريق التستر أو السرقة وقد يكون ذلك بتصاريح نظامية كما هو حال العديد من المحال التجارية والمطاعم التي تنتشر في شوارع مدننا أو عن طريق النصب والاحتيال والسرقة كما تقوم به عمالة السكراب والمحروقات والزيوت والأخشاب وغيرها، وجميع تلك الأعمال يجمعها قاسم مشترك هو العمالة الوافدة وتساهل أو تواطؤ المواطن.
بعض العمالة التي تخصصت في جمع مخلفات الحديد بدأت عملها بعربة يدوية تجوب بها الشوارع وبعد مدة تتحول العربة إلى سيارة نقل صغيرة ومن ثم سيارة نقل كبيرة، وبعد أن كانت تجمع مخلفات الحديد الفائضة عن حاجة مشاريع البناء أصبحت تلجأ إلى السرقة والتعدي على المال الخاص والعام في ظل تراخي رجل الأمن الأول وتجاهله وأعني به المواطن.
الخبر الذي طالعتنا به صحيفة "الرياض" قبل أيام حول عصابة الأسفلت والمحروقات التي تزاول عملها انطلاقا من إحدى الاستراحات خبر محزن ويبعث على الخوف من تمادي تلك العصابات في أنشطة أخرى كثيرة، خصوصا أن الأرباح الشهرية التي تجنيها تلك العصابة كبيرة جدا وتقترب من راتب وزير لعام كامل.
لا ينبغي التساهل مع تلك الظواهر السلبية التي تنتشر لدينا فهي مثل الخلايا السرطانية التي ينبغي أن تزال بسرعة حتى لا تنتشر وتصعب السيطرة عليها بعد حين، وهنا أرى أن الخلل الذي أدى إلى انتشارها يكمن في عدة أسباب أهمها عدم تفعيل دور المواطن كرجل أمن وهو ناتج عن قصور مشترك بين الجهات الأمنية التي لم تأسس حتى الآن إدارة مختصة للإبلاغ عن مثل تلك الحالات وبين المواطن نفسه الذي يرى تلك المخالفات ولا يبادر بالإبلاغ عنها، أما السبب الثاني فهو خلل في نظام العمل نفسه الذي أتاح وما يزال بجمود مواده وعدم تكيفها مع أوضاع سوق العمل الفعلية لظهور مثل تلك الحالات.
كيف استطاعت تلك العمالة أن تستأجر استراحة كبيرة تمارس فيها أنشطتها المحظورة دون موافقة الكفيل؟ وكيف وافق مالك الاستراحة أو وكيله على تأجير تلك العمالة دون حضور كفيلها وحصوله على ترخيص نظامي؟ ولماذا تؤجر الاستراحات لغير السعوديين وهي استراحات لهم في الأصل؟ وإن كان عقد الإيجار باسم سعودي كيف سمح لنفسه بذلك ومقابل ماذا؟ وأين كفلاء تلك العمالة، ألم تحضر للمملكة للعمل لديهم أصلا؟ ألم يفقدوهم؟ أين جيران تلك الاستراحة؟ ألم يلاحظوا تلك العمالة؟ أسئلة كثيرة موجهة للمواطن أولاً سواء كان كفيلا أو تاجرا أو عقاريا أو جارا وجميعها يدل على أنه المسؤول الأول عما حصل ويحصل في قضايا مشابهة.
ولا أعفي الجهات الأمنية المختصة بهذه القضايا من المسؤولية وأعني بها إدارة الجوازات والدوريات الأمنية والشرط فهي لم تعمل بالشكل المأمول على إشراك المواطن في محاربة تلك الظواهر السلبية التي بدأت للأسف تنتشر لدينا وأعني بذلك أنها لم تقم بتأسيس إدارة أمنية مشتركة لها هاتف موحد تختص باستقبال البلاغات عن مثل تلك القضايا والتعامل معها، فأنا لا أعرف حتى الآن ما الجهة التي لها علاقة بمثل هذه القضايا، هل هي إدارة الوافدين في الجوازات التي تتعامل مع قضايا التخلف ومخالفة نظام العمل والإقامة أم إدارات الشرط والدوريات الأمنية التي تتعامل مع قضايا السرقة، وهنا اقترح تأسيس إدارة مشتركة من الجهتين لها هاتف موحد للإبلاغ عن تلك القضايا يمتاز عملها بالسرعة والمباغتة ويقوم على إداراتها ضباط متخصصون، لأن مثل هذا الإجراء إن تم سيساعد بشكل كبير على تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أية شبهات قد يلاحظونها.