نهاية مصرف سعودي (1 من 2)

[email protected]

البنك السعودي الهولندي "الهولندي"، البنك الوطني الكويتي "الوطني"، البنك السعودي البريطاني "ســاب"، مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، أي بي إن أمرو، رويال بنك أوف سكوتلاند، سانتاندير، فورتيس. جميعها مؤسسات مالية سعودي، أو خليجية، أو أوروبية.
تداولت وسائل الإعلام المختلفة خلال الأيام الماضية خبرا من الأهمية بمكان انعكاساته على تطوير العلاقة البينية بين المؤسسات المالية السعودية، ونظرائها الخليجية، والأوروبية. خلص الخبر إلى اكتمال عملية استحواذ تحالف مكون من ثلاثة مؤسسات مالية أوروبية مختلفة المنشأ، والنشاط على مصرف أي بي إن أمرو الهولندي.
المؤسسة المالية الأولى "رويال بنك أوف سكوتلاند"، ذات الأصل الأسكتلندي، ويشتهر نشاطها في مصرفية الأفراد، والتمويل العقاري. والمؤسسة المالية الثانية "سانتاندير"، ذات الأصل الإسباني، ويشتهر نشاطها في المصرفية الخاصة، والاستثمار. والمؤسسة المالية الثالثة "فورتيس"، ذات الأصل البلجيكي، ويشتهر نشاطها في مصرفية الشركات، والتأمين.
آلت حصة أي بي إن أمرو في البنك السعودي الهولندي "الهولندي"، والبالغة 40 في المائة من رأسماله والمعادلة لقرابة النصف مليار يورو، بموجب عملية الاستحواذ هذه إلى المؤسسات المالية الأوروبية الثلاث. رأى هذا التحالف الأوروبي أن حصة الملكية في البنك السعودي الهولندي "الهولندي" حصة غير استراتيجية، وبالتالي فإن احتمال التصرف فيها مستقبلاً بعد التنسيق مع الجهات الإشرافية في السعودية أمر وارد متى ما عزم التحالف الأوروبي المضي قدما في بيع حصة الملكية في البنك السعودي الهولندي "الهولندي".
تثير عملية الاستحواذ هذه العديد من التساؤلات ليس حول نهاية أقدم مصرف يعمل في السعودية فحسب، وإنما حول مرونة، وخواص، ومحفزات، ومقومات، ودوافع، ومستقبل هيكل القطاعات المالية الأوروبية وتطوراتها، وانعكاسات هذه التطورات على العلاقة البينة مع القطاعات المالية الخليجية، بشكل عام، والقطاعات المالية السعودية، بشكل خاص.
حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات من واقع عمليات اندماجات واستحواذات القطاعات المالية الأوروبية وتطوراتها خلال الأعوام الماضية، وانعكاسات هذه العمليات على مستقبل هذه القطاعات.
نشرت الدراسة قبل شهر في مجلة "الأعمال الأوروبية"European Business Review تحت عنوان "الهجرة إلى الخارج، أو الاستقرار في الداخل: تحقيق توجهات اندماجات واستحواذات القطاع المصرفي الأوروبي". هدفت الدراسة إلى التعرف على أهم التحديات المقبلة لنجاح عمليات الاندماج والاستحواذ من خلال دراسة وتحقيق طبيعة، وتوجهات، وتشريعات عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاعات المالية الأوروبية.
هناك ثلاثة أسباب دعمت اختيار هذه الدراسة عوضا عن غيرها من دراسات عمليات الاندماج والاستحواذ كمنظور مشاهدة لواقع عمليات الاندماج والاستحواذ القطاع المصرفي الخليجي، بشكل عام، والسعودي، بشكل خاص.
السبب الأول، أن الدراسة بنيت على بيانات تفصيلية حول الوضع المالي والاقتصادي للقطاعات المالية الأوروبية. والسبب الثاني، أن الدراسة بنيت على فترة زمنية فاقت العقد من الزمن تزامنت معها تطورات سياسة في منظومة الدول الأوروبية. والسبب الثالث، تناولت استراتيجيات جميع المؤسسات المالية الثلاثة المشاركة في عملية الاستحواذ على أي بي إن أمرو الهولندي، وحصته في البنك السعودي الهولندي "الهولندي".
اعتمدت الدراسة على تحليل 975 عملية اندماج واستحواذ تمت في القطاعات المالية الأوروبية خلال الفترة من 1993م إلى 2004م. استندت الدراسة إلى مصادر قاعدتي بيانات صادرة من مؤسسات استشارات مالية أوروبية، SDC Platinum وDataStream.
اعتمدت التحاليل الإحصائية على عمليات الاندماج و الاستحواذ التي شارك فيها إحدى المؤسسات المالية الأوروبية، وكانت ضمن اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الـ 15. شملت عينة الدراسة المؤسسات المالية الأوروبية الطبيعة المصرفية ذاتها.
قبيل ذكر نتائج الدراسة، فإنه من الأهمية بمكان الأخذ في الاعتبار التباين بين طبيعة القطاعات المالية الأوروبية، ومثيلاتها الخليجية، والسعودية. حيث تتميز القطاعات المالية الأوروبية بسعة فرص النمو الاقتصادي بها، عطفا على وجود العديد من آليات واستراتيجيات النمو الاقتصادي، إضافة إلى عمليات الاندماج والاستحواذ.
الميزة الأولى: زيادة حدة التحالفات الاستراتيجية بين مؤسستين أوروبيتين أو أكثر. من الأمثلة على ذلك تحالف مصرف بي إن بي باربيان الفرنسي مع محال كارفور الفرنسي. هدف هذا التحالف إلى تبادل المنافع الاقتصادية بين المؤسستين من خلال تبادل العملاء، والمواقع الجغرافية.
الميزة الثانية: زيادة عمليات النمو الطبيعي التي تمارسها مجموعة ليست بالقليلة من المؤسسات المالية الأوروبية. من الأمثلة على ذلك توسع مؤسسة إتش إس بي سي، حليفة البنك السعودي البريطاني "ساب"، في تقديم خدماتها المالية في معظم دول العالم.
الميزة الثالثة: زيادة حدة التباين بين الفئات العمرية لسكان دول الاتحاد الأوروبي، وتباين تباعا احتياجات كل فئة عمرية من الخدمات والمنتجات المالية. على سبيل المثال اختلاف معدل عمر السكان بين دول شرق أوروبا ومثيلاتها في غرب أوروبا.
الميزة الرابعة: زيادة حدة هجرة السكان بين دول الاتحاد الأوروبي وانعكاسات ذلك على الطبيعة السكانية في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي. من الأمثلة على ذلك توجه دول غرب أوروبا إلى استقطاب العمالة المدربة من مثيلاتها في شرق أوروبا، عوضا عن دول الآسيوية، أو دول أمريكا اللاتينية.
الميزة الخامسة: توجه المؤسسات الاقتصادية غير المالية إلى تقديم الخدمات المالية المختلفة، وانعكاسات ذلك على تنافسية المؤسسات المالية القائمة. من الأمثلة على ذلك توجه مخازن بيع التجزئة، كسينسبير، إلى تقديم خدمات التأمين، ومصرفية الأفراد.
تشكل جميع هذه المميزات، إضافة إلى عمليات الاندماج والاستحواذ، مميزات اقتصادية تسهم بشكل إيجابي في تنافسية القطاعات المالية الأوروبية واستدامتها إذا ما قارناها بطيعة مميزات القطاعات المالية الخليجية، ومثيلاتها السعودية.
أهم نتائج الدراسة، وانعكاسات هذه التطورات على القطاعات المالية الخليجية، والقطاعات المالية السعودية، هي محاور الجزء الثاني والأخير من هذا المقال، الأسبوع المقبل، بعون الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي