حتى يكون قرار بدل غلاء المعيشة مجديا اقتصاديا
أقر مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة يوم الإثنين الموافق 28 كانون الثاني (يناير) 2008، (17) قرارا اقتصاديا، استهدفت جميعها التحسين من المستوى المعيشي للمواطن السعودي خلال السنوات المقبلة.
لعل من أبرز القرارات الاقتصادية، التي اتخذها مجلس الوزراء السعودي، إضافة بدل بمسمى "بدل غلاء المعيشة" إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة 5 في المائة وذلك لمدة ثلاث سنوات.
إن قرار إضافة بدل غلاء معيشة إلى راتب المواطن قد جاء صدوره في توقيت مناسب وسليم للغاية، بالذات وأن معظم المواطنين، من ذوي الدخول المنخفضة، أصبحوا يعيشون حياة اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، بسبب تفشي ظاهرة غلاء المعيشة في معظم مناطق المملكة، مما أثر بشكل سلبي ملحوظ في حياتهم، وبالذات في قوتهم اليومي، مما حدا بالدولة لاتخاذ مثل هذا القرار الاقتصادي الحاسم والمهم، بهدف التخفيف عن كاهل المواطن من حدة وسلبيات ذلك الغلاء في المعيشة.
آراء المواطنين تباينت حول جدوى قرار بدل غلاء المعيشة، حيث نظر البعض إليه وتعامل معه، على أنه غير كاف وغير مجد لمعالجة الارتفاع في تكاليف المعيشة، ولاسيما أن الارتفاع الذي طال معظم السلع الاستهلاكية قد تجاوز في بعض الحالات نسبة الـ 50 ـ 100 في المائة، كما أن أسعار السلع البديلة قد شهدت هي الأخرى ارتفاعا ملحوظاً، مما جعل اللجوء إليها كملاذ بديل عن السلع الأساسية التي شهدت ارتفاعا في الأسعار، أمراً شبه مستحيل ولا يمكن تحقيقه بأي حال من الأحوال، هذا إضافة إلى أن التخفيض الذي طال الرسوم المتعلقة بإصدار الوثائق الرسمية، وفقما أشار إلى ذلك القرار الخاص بذلك، كالرسوم الخاصة مثلا بإصدار رخص القيادة، وجوازات السفر، هي رسوم في الأساس بسيطة من حيث القيمة، إضافة إلى أنها رسوم يغلب على طبيعتها عدم التكرار سوى على مدى فترات طويلة، مما يقلل بالتالي من تأثيرها الإيجابي المباشر، وبالذات الآني على التحسين من مستوى الدخول.
برأيي أن ما سيخفف من قلق المواطن حول جدوى قرار بدل غلاء المعيشة هو التنفيذ الحرفي وبأسرع وقت ممكن للقرارات الاقتصادية الأخرى المصاحبة لقرار بدل غلاء المعيشة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، (1) تحمل الدولة نسبة 50 في المائة من رسوم الموانئ، التي تحصلها الدولة وذلك لمدة ثلاث سنوات، حيث إن ذلك سيساعد على التخفيف من أعباء وتكاليف الاستيراد على التجار، مما سيمكنهم في المقابل من استغلال ذلك التخفيض الاستغلال الأمثل في تخفيض أسعار السلع المباعة في الأسواق بنفس قيمة التخفيض التي طرأت على رسوم الموانئ، (2) استمرار دعم السلع الأساسية للتخفيف من حدة ارتفاع أسعارها ومراجعة ذلك بعد ثلاث سنوات، والذي بدوره سيساعد بشكل مباشر على التخفيض من قيمة السلع المدعومة بالأسواق، (4) استمرار وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الاقتصاد والتخطيط (مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات) ووزارة المالية (مصلحة الجمارك) والجهات المعنية الأخرى في إجراء ونشر مسوحات ميدانية دورية (أسبوعية وشهرية) للأسواق لرصد تحركات الأسعار، وهذا القرار بدوره سيساعد المواطن على الاختيار من بين السلع والبدائل المتاحة للسلع، التي لا تشهد تحركا تصاعديا في الأسعار، (5) تفعيل الدور الرقابي والتوعوي لجمعية المستهلك.
برأيي أن للمواطن كذلك دورا مهما في تفعيل جدوى تطبيق مضمون قرار بدل غلاء المعيشة، المتمثل في المتابعة من كثب والامتثال لمضمون الحملات الإعلامية الهادفة الخاصة بتوعية المستهلكين في مجال الأنماط الاستهلاكية غير المرشدة، وفقما أشار إلى ذلك مضمون القرار الخاص بذلك، الصادر عن مجلس الوزراء، كما أنه ستكون هناك جدوى اقتصادية كبيرة لتفعيل قرار بدل غلاء المعيشة، من خلال تكثيف جهود مراقبة الأسعار ومكافحة الغش التجاري وتفعيل قراري مجلس الوزراء رقم (25)، ورقم (202)، الخاصين بمتابعة الجهات المعنية للتحقق من التزام المحال التجارية بكتابة بيان السعر على جميع معروضاتها وضبط أي مخالفة تتعلق بذلك.
كما أنه برأيي أن تحقيق جدوى قرار بدل غلاء المعيشة يتطلب سرعة تفعيل الآليات والأدوات الخاصة بحماية المستهلك من أي نوع من أنواع التجاوزات من قبل بعض ضعاف النفوس من التجار، واستغلال تلك الزيادة في رفع أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي يحتم كذلك ضرورة الإسراع في تفعيل دور وكالة حماية المستهلك بوزارة التجارة والصناعة، وكذلك تفعيل دور جمعية حماية المستهلك، والقضاء على جميع الممارسات الاحتكارية في السوق، من خلال منع أي نوع من الممارسات الاحتكارية وإعادة النظر في نظام الوكالات التجارية لمنع الاحتكار، هذا إضافة إلى التزام الجهات المعنية بالدولة بإجراء مسوحات ميدانية ودورية (أسبوعية وشهرية) للأسواق بغرض رصد تحركات الأسعار واتجاهاتها أولاً بأول وتوعية المواطن والمقيم بذلك.
ختاماً: لعلي أتطلع أن يتبنى القطاع الخاص تطبيق قرار مماثل لقرار بدل غلاء المعيشة على جميع العاملين لديه، ولاسيما أن هناك عددا كبيرا من المقيمين يعملون بالقطاع الخاص، وبالتالي لن تشملهم منافع تطبيق القرار الحكومي الخاص بإقرار بدل غلاء المعيشة، وبالتالي فإن تطبيق قرار بدل غلاء المعيشة من قبل القطاع الخاص سيعمل على تعميم وشمولية الفائدة الاقتصادية للجميع دون استثناء (مستهلكين سعوديين وغير سعوديين)، وبالذات من ذوي الدخول المنخفضة، متطلعاً كذلك في هذا الخصوص أن يتم إقرار تلك النسبة من قبل القطاع الخاص بشكل متدرج، بمعني آخر بألا تطبق بشكل متساو على جميع الدخول، بحيث تعظم من قيمتها بالنسبة للدخول الصغيرة، ويتم التخفيض من قيمتها على الدخول الكبيرة، حيث إن ذلك برأيي سيحقق الفائدة الاقتصادية المرجوة من وراء إقرار تلك النسبة، وبالله التوفيق.