عاش 60 عاماً ومات وعمره شهران

[email protected]

في كل يوم نفجع بموت صديق أو قريب، وفي كل يوم نسمع عن موت فرد من أفراد المجتمع فندعو له بالرحمة والمغفرة، وأثناء ذلك نتذكر مآثره وما قام به من أعمال جليلة خلال حياته ودام أثرها بعد مماته، فهناك أناس ماتوا منذ عشرات السنين ولكن إنجازاتهم وأعمالهم شاهدةً عليهم حتى اليوم.
وجدت في بريدي الإلكتروني رسالة تحكي أن رجلاً كان مولعاً بالسفر وحدث أن زار ذات يوم إحدى المدن، ووضع ضمن برنامجه زيارة مقبرة المدينة، وبينما هو يسير بين القبور متأملاً فإذا به يجد لوحة على أحد القبور وقد كتب عليها فلان بن فلان ولد عام 1930 ومات عام 1991 ومات وعمره شهران. فتعجب الرجل ودهش مما رأى على هذه اللوحة وتوجه نحو حفار القبور يسأله ما تفسير ما كتب، فرد عليه حفار القبور: نحن في مدينتنا نقيس عمر الإنسان بقدر إنجازاته وعطاءاته وليس بحسب عمره الزمني، فرد عليه الرجل ضاحكاً إذا وافاني الأجل في مدينتكم فاكتبوا على قبري فلان ابن فلان من بطن أمه إلى القبر.
أخذت أتأمل هذه القصة وأنظر في نفسي أولاً ماذا قدمت طوال حياتي وماذا يمكن أن يكتب على قبري بعد مماتي لو كنت في هذه المدينة، هل سيكتب مات وعمره دقيقة أو ساعة أو يوم أو يومان أو أسبوع أو...، سؤال أعتقد أن على كل منا أن يقف للحظة ويسأل نفسه هذا السؤال: ماذا قدمت؟ لا شك في أهمية أن يخلص الإنسان في أعماله وأن تكون نيته صادقة وخالصة لوجه الله وليس من أجل أن يقال فلان فعل أو أنجز، ولكن مع ذلك فإن السؤال يتكرر دائماً وهو: ما العمل الذي سيذكره المجتمع لي بعد مماتي؟ وما الإضافة التي قدمتها لمجتمعي؟ وما الأثر الذي سأتركه حتى إذا ما نظر الآخرون من بعدي يقولون هذا أثر فلان؟
لقد أنعم الله على كثيرين بنعم عظيمة فمنهم من رزقه المال ومنهم من رزقه الجاه ومنهم من رزقه الحكم والولاية وحمله المسؤولية، فماذا كان الإنجاز؟ وما الذي قدمه من عطاء؟ وكيف تم قضاء الأوقات؟ وكيف تم الاستفادة من هذه النعم لكي تقدم إنجازاً يكون له أثره في المجتمع ويبقى ذكره خالدا، وفي كل مرة يتذكره الناس يدعون له ولا يدعون عليه.
كم من الأفراد الذين وهبهم الله مناصب رفيعة ومنحهم مسؤوليات كبيرة ومكنهم من شؤون متعددة فكان همهم الأكبر هو كيفية المحافظة على مكانهم في هذه المناصب والبقاء فيها أطول فترة ممكنة، وكان همهم هو كيفية العمل على بقاء الأوضاع مستقرة دون تغيير أو تحسين، وكان همهم إرضاء من فوقهم وليس الاستفادة مما بين أيديهم وتحمل المسؤولية لخدمة المستفيدين من أفراد المجتمع، سألت نفسي كثيراً: ماذا سيكتب على قبور هؤلاء؟ ولو كنت أعرف حفار القبور في تلك المدينة لقلت له إن مات هؤلاء في مدينتكم فيجب أن تكتبوا على قبورهم (لم يعش) أو أكتبوا العمر (بالسالب).
إن مما يأسف عليه الإنسان أن يشاهد مسؤولين وأفراداً حباهم الله بنعم كثيرة فإذا هم سلبيين لا يرغبون في فعل شيء يمر عليهم اليوم والشهر والسنة وهم كما هم لم يتغير فيهم شيء بل لم يتغير في إنجازهم ـ إن وجد ـ شيء، شعارهم ليس بالإمكان أفضل مما كان، ومنهجهم هو تشكيل اللجان وعقد الاجتماعات وتقديم التوصيات أما الإنجازات فلا تعرف طريقها إليهم.
أعتقد أن هذه القضية هي من أهم وأعظم القضايا التي يجب أن نفكر فيها باستمرار وأن نجعل من هذا التفكير وقوداً وحافزاً يساعدنا على أن ننتبه ونستيقظ من غفلتنا ونشمر عن سواعدنا ونعمل بجد وإخلاص ليكون لنا أثر بعد مماتنا ولنترك شيئاً مفيداً لمجتمعنا ولتحسب أعمارنا الحقيقية ـ المنتجة ـ بالسنوات لا بالدقائق والثواني إن لم تكن بالسالب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي