الشفافية .. لماذا جائزة وطنية؟
الفكرة التي طرحها ويتبناها الأمير تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن حول أهمية وضرورة إيجاد جائزة وطنية للشفافية (سعفة القدوة الحسنة) تمنح للأفراد والمؤسسات العامة والخاصة، هذه الجائزة إذا شاء الله وتيسرت أمورها وانطلقت بآلية علمية موضوعية ولقيت الدعم الذي تستحقه معنوياً، فإنها ستكون إضافة مهمة لمجتمعنا، ونقلة نوعية جديدة لعمل المجتمع المدني.
الشفافية في أداء الأعمال، العامة والخاصة، أصبحت في عالمنا المعاصر من القضايا الحيوية التي تهتم بها الدول الكبرى والمنظمات الدولية وأيضاً منظمات المجتمع المدني في أوروبا وأمريكا، ونحن نسمع دائماً عن قوائم تصدر حيث تصنف الدول والشركات في درجات الشفافية، وهذا توجه إيجابي وضروري لأنه يعزز (الأخلاقيات)، فالشفافية نزعة أخلاقية إنسانية ودرجة متقدمة من الإفصاح الذي تشترطه وتتطلبه الأنظمة والمعايير المهنية والرقابية في مختلف المهن، أي أن الشفافية هي مبادرة إيجابية يقدم عليها الأفراد أو الشركات لتقديم معلومات إضافية عن العمل لم يكن مطلوباً الإفصاح عنها.
ودعم هذه الفكرة معنوياً، وحتى مادياً، مطلوب على المستوى الوطني، لأننا إزاء حقيقة نواجهها كل يوم وهي أن منظمات المجتمع المدني، بالذات في أوروبا وأمريكا، أصبحت أداة رئيسية في العلاقات الدولية، والدول الكبرى مع تقدم ونضج تجربتها السياسية، شجعت ودعمت قيام منظمات للمجتمع المدني تعمل على الملفات الدولية في موضوعات مثل حقوق الإنسان، حرية الإعلام، نشر الديمقراطية، حقوق العمل والعمال، وغيرها، وهذه المنظمات لا يمكن فصل أهدافها وبرامجها عن المصالح الأساسية لبلادها، وقد تختلف مع حكوماتها على آليات العمل، ولكن الجميع متفقون على الأهداف التي تمس وتخدم أمنهم ومصالحهم القومية الأساسية.
وهذا التطور في مهمات وأدوار منظمات المجتمع المدني يستدعي ويتطلب أن نعمل على بناء مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وأعتقد أن هذا هدف استراتيجي يجب أن تتبناه الدولة وسبق الدعوة في هذا المقال إلى أهمية أن تدخل الدولة بقوة لبناء (القطاع الثالث) كما بنت القطاعين العام والخاص، أي دعم مؤسسات المجتمع المدني، بالذات دعم بنيتها الأساسية الإدارية، ومجتمعنا تتوافر فيه كل مقومات الدعم لهذا القطاع إلاّ أن مشكلته الأساسية هي في الإدارة، والدولة إزاء فرصة ذهبية، فالآن تتوافر الموارد المالية ولدينا جيل يتقاعد من المهنيين والمحترفين وهم ثروة بشرية جاهزة لبناء مؤسسات المجتمع المدني.
وإذا نحن لم نبادر لبناء مؤسساتنا الخاصة التي ترعى ما هو مطروح على الأجندة العالمية، فإن علينا أن نستعد لتلقي ما تطرحه المنظمات الدولية عنا، وعلينا أيضاً ألاّ نتوقع الشيء الإيجابي مما سيطرح، فنحن في منطقة مضطربة وتتسابق القوى العظمى فيها إلى مصالحها، ومن مصلحتنا أن نحصن مجتمعنا بالمؤسسات القوية القادرة، ولنا تجارب ناجحة تعكس ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بمؤسساتنا، وخير مثال على ذلك (جمعية حقوق الإنسان) التي أنشأناها ودعمناها سياسياً واجتماعياً، ورغم عمرها القصير إلا أنها استطاعت أن تحظى بالاحترام والتقدير محلياً وعالمياً.
طبعاً عندما نتحدث عن الشفافية، فهذا موضوع حيوي جداً لعدة اعتبارات، منها أنها من الأدوات الضرورية لتكريس (الحكم الصالح) الذي هو ذروة ما تنشده النظم والفلسفات الديمقراطية، كذلك دعم الشفافية إيجابي لأنه يكرم المتميزين المبادرين إلى الشفافية في أعمالهم من قيادات المؤسسات العامة والخاصة، والحمد لله أننا في مجتمع تكثر فيه النماذج الإيجابية التي تخدم بلادها بصمت، وهؤلاء من حقهم أن يكرموا، ومن حقنا أن نعظم دائرة النجاح ونوسعها، فالنجاح يقود إلى النجاح.
وهذا ما نتطلع إليه من وجود جائزة وطنية للشفافية، فالجائزة ستعطي الفرصة الوطنية لتكريم المتميزين، وأيضاً وهذا مهم جداً، ستبدأ بإشاعة (ثقافة الشفافية)، وهذا ما أكده الأمير تركي بن عبد الله في المقالين اللذين نشرهما في "الاقتصادية" السبت الماضي والسبت الذي قبله، فإدخال مبدأ الشفافية في حياتنا وبعثه وإطلاقه من أوامر ديننا وأخلاقياتنا وعاداتنا، كل هذا إيجابي وصحي لمجتمعنا ويعزز من جديد ثقتنا بأنفسنا.. فعلينا أن نكرس وندعم هذه الثقافة بأيدينا، قبل أن تفرض علينا بيد عمرو.