رفع مستوى المعلمين وإنشاء المدارس وحل الاختناقات المرورية
ينظر الجميع إلى قراري مجلس الوزراء لرفع مستوى المدرسين وإنشاء 1000 مدرسة في مناطق المملكة المختلفة على أنهما قراران أساسيان لرفع مستوى التعليم كما أنهما قد يكونان أيضا أساسيين لحل مشاكل الاختناقات المرورية لو تم التخطيط لها ومحاولة الاستفادة منها على الوجه الصحيح فهما قراران جزئيان لحل مشكلة أكبر مما نتصور. وقد لا يحل القراران وحدهما مشكلات التربية والتعليم لدينا وإنما يجب أن تتبعهما قرارات لرفع مستوى المدارس الحكومية والمناهج ووسائل التعليم الأخرى. كما أن القرار في حد ذاته قد يكون فرصة لحل بعض مشكلاتنا التخطيطية سواء في التعليم أم غيره من القطاعات، وأنه لو خطط له بالطريقة الصحيحة لساعد على حل أكبر مشكلاتنا في المدن وهي الاختناقات المرورية والحد من استقدام العمالة المنزلية سواءَ سائقين أو خادمات مرافقات لطلابنا الصغار في السن وتخفيف الحوادث في الطرق والمصابين في المستشفيات، والتوفير في صيانة الطرق.
لقد كان أكبر خطأ ارتكبناه هو فكرة التوفير في بناء المدارس ثم اقتراح إنشاء مدارس جاهزة، التي احترقت وتلفت بسرعة وخسرنا قيمتها بأسرع مما كنا نتوقع. أو كما يقال "مال البخيل يأكله العيار". وهذا التوفير خسرنا وأخرنا كثيراَ، خاصة أنه من المسلم به دولياَ أن التعليم والصحة هما من الأمور التي من الخطأ أن نفكر التوفير فيها.
وبما أننا متوجهون لرفع مستوى المدارس الحكومية فلماذا لا نعيد التفكير في تغيير السياسة الحالية من دعم المدارس الخاصة لنتحول إلى دعم المدارس الحكومية داخل الأحياء، ورفع مستواها كماَ وكيفاَ؟ وأن نحاول أن نوفر على مواطنينا تكاليف الدروس الخاصة وما يكسبه الأجانب من مئات الألوف شهرياَ على ظهورنا؟ وجعلها مركزا تعليميا واجتماعيا ويستفاد من مبانيها لفترة بعد الظهر والمساء لنشاطات اجتماعية ورياضية لأبنائنا وتتكامل مع مجهودات الأمانة لمراكز الأحياء.
كما أن احتواء الطلاب في المدارس الحكومية داخل الأحياء له أثر مباشر في حل بعض اختناقات أو مجهودات القطاعات الأخرى فهو قد يكون الحل الذي ننتظره لحل مشكلات الاختناقات المرورية في المدن، حيث إن الازدحامات المرورية في المدن والحد من العمالة الأجنبية هما الشغل الشاغل للدولة وللعاملين على إدارة المدن. وتشير الأبحاث في نظرية التحضر الحديث New Urbanism في التخطيط إلى أن تصميم الأحياء السكنية وكفاءة الخدمات التي توفرها لسكانها لهما أثرها البالغ في حل المشاكل المرورية. لذلك فإن وجود مدارس على مستوى جيد من البناء والتجهيز يعمل بها كفاءات مؤهلة وبمستوى عال من المهنية ولتكون منافسة للمدارس الخاصة سيساعد على احتواء حركة الطلاب داخل الحي الواحد، فيجبر الجميع على تسجيل أبنائهم أو المعلمين والمعلمات سواء نساء أو رجال للعمل في الأحياء التي يسكنونها نفسها وبذلك نوفر مشكلات نقل المعلمات داخل وخارج المدن ونحد من حركة السائقين خارج تلك الأحياء لنقل الطلاب في طرق المدينة، مما يخفف من عدد السيارات في طرقات المدينة وبالتالي يخفف من الاختناقات المرورية.
كما أن وجود المدارس داخل الحي سيغني المواطنين عن الحاجة للسائقين والخدم المرافقين لنقل أبنائهم أو بناتهم سواء طلاب أو مدرسين مما سيكون له أثره الإيجابي في التوفير على المواطن والاقتصاد الوطني. ولنا أن نتصور الآثار الإيجابية المترتبة على ذلك وهي كثيرة. فإضافة إلى ما يؤديه من توفير للاقتصاد الوطني والحد من مشكلات العمالة وتخفيف الاختناقات المرورية فإنه يساعد على تصغير حجم المدن فتقل مساحات وعدد الورش وتقل الحاجة إلى توسيع أو فتح طرق إضافية، ويخفف من عدد الموظفين في المرور والمستشفيات والورش وشركات التأمين وعدد الأسرة في المستشفيات ويخفف ويوفر من استهلاك الوقود والتلوث والحوادث.
إن التخطيط سلسلة من الأنشطة والخطوات التي تسير وفق برامج زمنية بهدف الحصول على بيئة عمرانية حضرية تتماشى مع متطلبات المجتمع. وهو علم متشعب ومترابط مع جميع الجهات الخدمية للمدن. ويزعم كل أنه يعرفه بينما لا يفهمه إلا القليل فمثلاَ إذا أردنا أن نعرف معوقات إيجاد حلول لأزمة الاختناقات المرورية للمدينة وجب علينا أن نعرف من الذين يقفون خلف هذه المهزلة فغالباً نجد أن مشكلات أي جهة حكومية أو خدمية سببها تقاعس جهة أخرى عن واجبها الوطني. والأمثلة على ذلك كثيرة. ولكن أوضحها أن القرار الأخير لإنشاء تلك المدارس يدل على خطأ أو تكاسل في التفكير لوزارة التربية والتعليم منذ عقود.
إن أوضح مثال على انعدام التخطيط والتنسيق في مدننا هو ما يعانيه الجميع من مشكلات ازدحامات المرور بالمدينة حيث يعاني المواطنون، إضافة إلى العديد من الجهات الحكومية مثل المرور ووزارة المواصلات والأمانة، كما تعاني من حوادثه وزارة الصحة والكثير من الأسر بسبب الحوادث والتلوث البيئي وتخصص كل منها ميزانيات ضخمة لذلك. ولكن جزءا كبيرا من الحل يكمن في تقاعس وزارة التربية والتعليم عن إيجاد ميكانيكية لرفع مستوى المعلمين والمدارس العامة داخل الأحياء كماً وكيفاً، بحيث يمكنها منافسة المدارس الخاصة أو على الأقل يكون هناك مستوى مقياسي موحد للتعليم يشجع سكان الحي على تسجيل أبنائهم في مدارس الحي وبذلك يخففون من الازدحامات المرورية خارج الأحياء. وقد يكون العائق مركزية وزارة المالية فما المانع مالياً من جعل النظام المالي مرناً لكي تسخر بعض ميزانيات وزارة المواصلات والأمانة والمرور والصحة وغيرها لرفع مستوى المدارس العامة وسط الأحياء لدرجة تمكن سكان الحي من تسجيل أبنائهم في تلك المدارس بدلاً من مزاحمة الآخرين صباحاً وظهراً لتوصيل أبنائهم إلى مدارس خاصة في أحياء بعيدة، لخف جزء كبير من الازدحامات والحوادث المرورية التي أيضا تكبد وزارة الصحة تجهيزات مكلفة لمعالجة المصابين ومشاكل التلوث البيئي.
من المسلم به أن اختيار الموقع للخدمات وغيرها علم مهم وقائم بذاته وله نظرياته ويتم عقد مؤتمرات علمية سنوية ودورية لتطويره. وهو علم يقوم أساسا على عمليات أنظمة ونماذج حاسوبية باستخدام نظريات الجاذبية وعلاقتها بالمسافات التي يمكن توفيرها على الأغلبية من السكان. وأخيرا تم ربط هذه النظريات بنظام المعلومات الجغرافي، الذي يعطي أفضل الطرق لاختيار أنسب المواقع المثالية للخدمات، التي تلبي حاجة الجميع دون إضرار.
هذا النوع من التخطيط العمراني نجد أنه مرتبط تماماً بالتخطيط الوطني، حيث إن اختيار مواقع الخدمات أحياناً يكون ناتجا عن سياسة وطنية وضعت بهدف المساهمة في تأمين العلم والصحة للمواطنين ولكن غياب وضع ضوابط تخطيط عمراني لها أو عدم إعطاء البلديات دورا في عملية التخطيط وعمل أنظمة البناء والضوابط التخطيطية لمواقع هذه الخدمات قد يؤدي بالتالي إلى فشل هذه السياسة وعدم تقبل المجتمع لها حتى لو كان لها فائدة مرجوة فإن أذاها على الحي وسكانه قد يكون أكبر من مزاياها. ومثال ذلك انتشار مواقع المكاتب وبعض الخدمات داخل الأحياء السكنية وما تسببه من مشكلات الإزعاج ومضايقة سكان الحي.
أملي كبير أن يتم إعادة النظر في هذا القرار ليكون جزءا من مشروع أكبر لتطوير ورفع مستوى المدارس في الأحياء السكنية لتكون أكثر جذباَ لطلاب الحي نفسه. ومهما كلفنا مشروع رفع مستوى المدارس داخل الأحياء فإن اثاره الإيجابية على المدن والمجتمع أكبر بكثير مما نتصور.