المشهد السياسي في باكستان بعد اغتيال بوتو
drashwan59@yahoo .com
عادت باكستان إلى قلب اهتمام العالم كله فور حادث الاغتيال الإجرامي الذي أودى بحياة السيدة بي نظير بوتو زعيمة حزب الشعب الأكبر في البلاد. وبعد مرور أكثر من أسبوع على وقوع ذلك الاغتيال راح المشهد السياسي في باكستان، ثاني أكبر بلد مسلم في العالم بعد إندونيسيا، يتشكل بصورة مختلفة عما كان يمكن أن يكون عليه قبله، فاتحاً كل الأبواب أمام جميع الاحتمالات لمستقبله القريب والمتوسط. وبدا واضحاً للجميع على المستوى السياسي والأمني أن غياب زعيمة المعارضة الباكستانية والشريكة المتوقعة للرئيس برويز مشرف حسب الاتفاق الأخير المبرم بينهما برعاية أمريكية - بريطانية، سوف يخلي الساحة أمام الأخير لكي يواصل الانفراد بإدارة كل الملفات الباكستانية الداخلية المتعلقة بطريقة إدارة البلاد والخارجية المرتبطة بقضية محاربة الإرهاب، دون أن يوجد بين زعماء المعارضة من يمكن أن يقاسمه في أي منها.
كما أتت إدارة خلافة الراحلة بوتو في زعامة حزب الشعب حسب وصيتها لكي تضع ذلك الحزب الكبير في أزمة داخلية حقيقية من المتوقع أن تتطور فصولها بعد أن توزعت صلاحيتها على نجلها الذي تولى رسمياً زعامة الحزب ووالده الذي تولى منصب نائبه ونائبها الأصلي الذي رافقها في قيادة الحزب لفترة طويلة. فبهذه الطريقة في إدارة قيادة الحزب يبدو واضحاً أن الصراع الحقيقي حول الصلاحيات سيكون بين زوج السيدة بوتو وبين نائبها، بينما لن يكون النجل رئيس الحزب الجديد سوى واجهة سيحاول كل من الطرفين الاستفادة منها لتقوية موقعه والحصول على أكبر مساحة ممكنة في قيادة الحزب على حساب الطرف الآخر. ومع قوة ذلك الترجيح لمصير العلاقات بين المجموعة القيادية لحزب الشعب، إلا أنه من غير المتوقع أن تبدأ تلك الاختلافات خلال أيام معدودة، فخوض الانتخابات العامة التي أجلت ليوم الثامن عشر من شباط (فبراير) المقبل سيكون هو المهمة الرئيسية التي سينشغل بها الجميع في الحزب أملاً في أن يؤدي اغتيالها بالصورة البشعة التي تمت إلى مزيد من تعاطف الناخبين مع مرشحي الحزب بما قد يعطيه الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة الباكستانية الجديدة، وهو الأمر الذي سيؤدي في حالة حدوثه إلى دفع تلك الاختلافات المتوقعة إلى سطح المشهد الحزبي والإعلامي بصورة لن يمكن إخفاؤها حينئذ.
وبالمقابل يبدو حزب الرابطة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق السيد نواز شريف متردداً في تعامله مع جريمة اغتيال السيدة بوتو والآثار السياسية التي ترتبت عليها والاستحقاقات السياسية الكبيرة الجارية في باكستان حالياً. فزعيم الحزب وقياداته حرصوا بوضوح فور الاغتيال على إدانته بأقصى صورة ممكنه وحملوا الدولة الباكستانية مسؤوليته السياسية وجزء كبير من المسؤولية الأمنية، وسارعوا باتخاذ قرار بعدم المشاركة في الانتخابات العامة التي كان من المقرر أن تجرى في الثامن من كانون الثاني (يناير) الحالي احتجاجاً على الاغتيال وتخوفاً من أن يكون مقدمة لتدخل إدارة الرئيس مشرف في هذه الانتخابات وتزويرها ضد أحزاب المعارضة. إلا أن قرار القيادة الثلاثية الجديدة لحزب الشعب بخوض الانتخابات بعد قرار تأجيلها وللأسباب الخاصة بالحزب المشار إليها سابقاً، دفع قائد حزب الرابطة الإسلامية إلى إعادة حساباته والسعي للاستفادة من الشعبية المتدنية التي يحظى بها الرئيس الباكستاني والأحزاب المساندة لها حالياً في البلاد، والإعلان عن خوض الانتخابات أملاً أيضاً في الحصول على نسبة تمكنه من مشاركة حزب الشعب في حكم باكستان خلال الفترة المقبلة. وقد بدا واضحاً في ذلك التردد الذي أحاط بقرارات نواز شريف وحزبه تأثيرات قديمة للاختراقات التي نجح الرئيس برويز مشرف وأنصاره في إحداثها بداخل الحزب خلال الأعوام السابقة التي زادت كثافتها في الأيام الأخيرة التي تلت حادثة اغتيال السيدة بوتو، الأمر الذي أعطى قرارات قيادة الحزب الصورة التي بدت عليها.
أما الرئيس مشرف وأنصاره في الدولة بمختلف أجهزتها الأمنية والعسكرية وفي الحياة الحزبية، فهم حتى الآن الأكثر استفادة من غياب السيدة بوتو سياسياً وأمنياً بالرغم من كل الاتهامات التي راحت تلاحقهم بمسؤوليتهم الجنائية المباشرة عن الاغتيال. فمن الواضح أن ضغوطاً دولية كثيفة وبخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية راحت تمارس على النخبة السياسية الباكستانية وخصوصاً قيادة حزب الشعب الجديدة وقيادة حزب الرابطة الإسلامية المعارض لكيلا يصعدوا من مطالبهم بخصوص التحقيق في الاغتيال ولا يطالبوا بتحقيق دولي أو محاكمة دولية على غرار ما قرره مجلس الأمن الدولي بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. كذلك يبدو واضحاً أن نصائح أخرى لقيادة الحزبين المعارضين من الجهات نفسها بالتركيز على المشاركة في الانتخابات العامة المقبلة والسعي للحصول على ما يمكنهما من اقتسام السلطة مع الرئيس مشرف بدلاً من السعي لإحراجه والدخول في صدامات سياسية غير مضمونة النتائج معه. ويبدو أيضاً أن النصائح الأمريكية كانت واضحة بعدم استعداد واشنطن في تلك الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس جورج بوش للتخلي عن حليفها الرئيسي في الحرب على الإرهاب، الرئيس مشرف، لأي سبب كان وبخاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها الأوضاع في أفغانستان والمناطق الشمالية من باكستان فيما يخص تلك الحرب.
والنتيجة الواضحة وفق كل ذلك هي أن اغتيال زعيمة حزب الشعب والاتهامات الواسعة للرئيس مشرف بالمسؤولية الأمنية أو السياسية عنه، لم يضعف من موقفه في باكستان على مستوى النخبة السياسية، بل أفسح له مكاناً أوسع لممارسة مزيد من الصلاحيات في المستقبل القريب وعلى المدى المتوسط، وبتعاون متوقع من بعض أطراف تلك النخبة بعد الانتهاء من الانتخابات العامة وظهور نتائجها.