Author

السوق الخليجية المشتركة ومنظمة التجارة العالمية

|
يقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي وضع آلية أكثر تطوراَ لتفعيل السوق الخليجية المشتركة لتعويض الدول والقطاعات المتضررة عن طريق زيادة حجم التجارة البينية الخليجية باستغلال الميزة النسبية للسلع والخدمات في كل دولة, والاستفادة من المشاريع المشتركة القائمة لإحداث التغيير المطلوب, مع توفير نظم المعلومات لها, وتسهيل نقل التكنولوجيا اللازمة لها. أعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم الأخير في الدوحة عن بدء تنفيذ السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من الأول من كانون الثاني ( يناير) عام 2008م. والحقيقة أن اقتصادات هذه الدول تمر بمرحلة انتعاش ونهضة ملحوظة بسبب ارتفاع أسعار النفط, ومع ذلك فإنها تواجه العديد من التحديات التي تتطلب العمل الجماعي للتغلب عليها, أهمها أزمة المياه والبيئة والعولمة والإقليمية, والتصنيع ونقل التقنية الحديثة, وحماية حقوق الملكية الفكرية, وغيرها. وفي إطار تحقيق التوازن بين متطلبات العولمة وضرورات الإقليمية كان أمامها خياران: إما الانضمام لمنظمة التجارة العالمية تحقيقاَ لمفهوم العولمة وإما البقاء في إطار الإقليمية الخليجية. وقد سعت كل دولة منفردة إلى اختيار ما يتناسب مع مصالحها ومتطلبات شعوبها, إلا أنها لم تنس في النهاية أنها تنتمي إلى كيان إقليمي عربي له خصوصيته, ومن ثم يمكن أن يُحقق لها مزايا اقتصادية متعددة مع الحفاظ على هويتها واستقلالها. ومن هنا كان اهتمام قادة هذه الدول بإنشاء وحدة اقتصادية بينها من خلال السوق الخليجية المشتركة؛ حيث أدركوا أن عالمنا المعاصر قد اتسم منذ النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي الماضي بقيام تكتلات اقتصادية وتجمعات تجارية كبيرة في مختلف مناطق العالم, فظهر اتحاد الجماعات الاقتصادية الأوروبية الذي يُعد من أقوى الاتحادات الاقتصادية على مستوى العالم, حيث اتجه إلى إذابة الحدود بين الدول الأعضاء بالسماح للمواطنين بالانتقال فيما بين هذه الدول بالبطاقة الشخصية وتم توحيد العملة الأوروبية تحت اسم واحد (هو اليورو الأوروبي), وتم تطبيق نظام حرية تداول البضائع والمنتجات دون قيود وغيره من التسهيلات التي تستهدف تحرير التجارة البينية بين الدول الأوروبية. ويسعى هذا التكتل الاقتصادي الدولي بخطى واسعة وثابتة ومنظمة ليُصبح في القرن الحالي إحدى القوى الرئيسة الثلاث على الساحة الدولية. لهذا فقد بُذلت مساع كثيرة على المستوى الخليجي لإقامة تكتل اقتصادي خليجي؛ فجاء إنشاء مجلس التعاون الخليجي كخطوة مهمة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس الست واتخذ هذا المجلس عدداً من القرارات المهمة في هذا الصدد. ومن المعلوم أن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية أضحت أهم أدوات السياسة الاقتصادية الدولية التي تحكم العلاقات الاقتصادية الدولية في المرحلة المقبلة, فهي تُمثل أبرز سمات النظام التجاري الدولي الجديد, حيث تسعى مساعي جادة نحو تحرير التجارة الدولية بإزالة جميع العوائق الوطنية التي تعترض انسيابها. والحقيقة أن إقامة السوق الخليجية المشتركة تعد خطوة مهمة في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية, ولكن هناك تساؤلات مهمة تُطرح في هذا الصدد تتعلق بمستقبل هذا التكتل الاقتصادي في ظل سياسات منظمة التجارة العالمية: بمعنى هل يجب على هذا التكتل الاقتصادي أن يقوى لكي يواجه تيار العولمة بكل أبعاده المختلفة؟ أم أن عليه أن ينحسر ويبعد عن الساحة ويترك الأمر للتحرر الكامل لكل شيء؟ والواقع أن نشاط منظمة التجارة العالمية وما يتضمنه من تحرير للتجارة الدولية من شأنه أن يساعد على تقوية الاتحادات الاقتصادية الإقليمية لا إضعافها, لأن الدول التي يتكون منها الاتحاد تسعى إلى إلغاء الحواجز والحدود بينها وتعمل على انسياب البضائع والمنتجات والأشخاص دون أية عوائق ومن ثم تتحقق العولمة التي تسعى هذه المنظمة إلى تحقيقها, إذ إن الدول الأعضاء في الاتحاد تُصبح مجتمعة بمثابة منطقة تجارة حرة. ولهذا فإن السوق الخليجية المشتركة بين دول المجلس من شأنها إيجاد نوع من التكتل الاقتصادي الإقليمي, مما أن يفتح آفاقاً اقتصادية جديدة بين هذه الدول مجتمعة, حيث تهتم بعض هذه الدول الآن بتصنيع بعض السلع الموجهة للتصدير, ولهذا فإنها تسعى إلى إزالة العوائق التي تحول دون الانسياب الحر لصادراتها الرئيسة في الأسواق العربية والعالمية. وأرى أنه يقع على عاتق مجلس التعاون الخليجي وضع آلية أكثر تطوراَ لتفعيل السوق الخليجية المشتركة لتعويض الدول والقطاعات المتضررة عن طريق زيادة حجم التجارة البينية الخليجية باستغلال الميزة النسبية للسلع والخدمات في كل دولة, والاستفادة من المشاريع المشتركة القائمة لإحداث التغيير المطلوب, مع توفير نظم المعلومات لها, وتسهيل نقل التكنولوجيا اللازمة لها, إضافة إلى تنسيق المواقف في المؤتمرات والمحافل الدولية, والإصرار على أن يتم التعامل مع بعض القضايا النوعية التي تُثار بمناسبة تنفيذ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية, مثل استخدام المعايير البيئية لأغراض حمائية من خلال المنظمات الدولية المعنية وليس من خلال منظمة التجارة العالمية. كما أرى أن انضمام جميع دول مجلس التعاون الخليجي لمنظمة التجارة العالمية من شأنه أن يكفل خضوعها لقواعد قانونية موحدة في مجالات التجارة في السلع والخدمات وحقوق الملكية الفكرية والسلوك التجاري بما يمثل حداَ أدنى للمعاملات مع العالم الخارجي, وأن يتم تنسيق الجهود الخليجية لمطالبة الدول المتقدمة بفتح أسواقها أمام صادرات دول المجلس, والعمل على إزالة التعرفات العالية, ومنع إساءة استخدام هذه الدول المتقدمة لإجراءات مكافحة الإغراق والدعم وإجراءات الوقاية وتدابير الصحة وغيرها من العوائق الفنية على التجارة, والإسراع بالوصول إلى قواعد مبسطة وأكثر شفافية بالنسبة لقواعد المنشأ, وتفعيل نصوص اتفاقية الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية (المعروفة اختصاراَ باسم التربس) لنقل التكنولوجيا المتقدمة للدول العربية وتحقيق المصالح المتبادلة لمنتجي ومستخدمي هذه التكنولوجيا والوصول إلى آليات متوازنة في نقل التكنولوجيا بين البلدان المتقدمة والنامية, وهذا يتطلب منها أيضا مزيداَ من الشفافية قبل إجراء الإصلاحات الاقتصادية.
إنشرها