(يا رب يا لطيف) سترك.. وستار من خلقك

كلنا نعرف أن في حياتنا ثلاث سلطات: التنفيذية... والتشريعية... والقضائية والتي يفترض أنها تعمل لصالح الأمة... وفيما بعد قالوا إن الصحافة هي (السلطة الرابعة) لأنها (تتناول هموم الوطن والمواطن؟!) إذا انتقدت أو جابهت أخطاء تلك السلطات - وهذا غالبا في المشمش -.

ويطلق على "سلطة الصحافة" السلطة الرابعة وسميت بذلك أيام مجدها الذهبي عندما كانت هي الوحيدة التي تملك زمام التوجيه وتحتكر قوة التأثير في الأمة.. ولكن الصحافة هذه الأيام فقدت جزءا كبيرا من سلطتها حيث شاركت وسائل إعلام تكاد تكون أشد تأثيرا منها: كالتلفزيون والإذاعة والسينما والإنترنت وبعد هذه المشاركة فإن السلطة الرابعة هي:"سلطة وسائل الإعلام كلها" – والصحافة جزء منها – وكلما كانت "السلطة الرابعة" مع الحق والحقيقة، كانت أكثر تقبلا في النفوس، وأقوى تأثيرا في العقول.

ومع تزايد الاكتشافات العلمية تم اكتشاف "سلطة خامسة" "وسلطة سادسة" وكل منهما أخطر من الأخرى.

"فالسلطة الخامسة" قيل إنها تتمثل في مؤسسات المجتمع المدني، حيث ينظم الناس أنفسهم طواعية، غير هادفين إلى الربح، لتحسين شروط الحياة، وهي أيضا تتمثل في "النظام الاقتصادي" هذا الإخطبوط العالمي، الذي "امتد كالسرطان في دم فقراء العالم ومهمشيه"، ورأس حربته الشركات المتعددة الجنسيات، والمؤسسات الأممية الثلاث: صندوق النقد، البنك الدوليان، ومنظمة التجارة العالمية.

وبعضهم يرى أن السلطة الخامسة هي "الإنترنت"، الذي أصبح وسيلة إعلام لأنه وسيط وحاضن وملاذ ومعبر وسلاح ذو حدين وشره المستطير إذا كان في يد تجور وتهدد مصير الضعفاء.

وأما "السلطة السادسة" فهي سلطة "الإشاعة" فهي السلطة التي ليس لها دهاقنة، ولا فيها رؤساء ولا مرؤوسون، ولا إدارة ولا مكان ولا دوام، وبالتالي فليس لها ميزانية، ولا خطة خمسية أو عشرية، ولا نفقات منظورة أو مستورة... وكل فئات الشعب صغيرهم وكبيرهم، الرجال والنساء، يعملون فيها دون كلل أو ملل، ودون رواتب ولا بدلات ولا مكافآت... سلطة عجيبة يخافها الجميع، لأنها لا تعرف الرحمة في أحكامها الصائبة مرة والغاشمة مرات... وليس فيها مسؤول إذا أصاب يشكر وإذا ظلم يزجر... فما هذه السلطة؟

إنها باختصار "كلام الناس" ومن منا لا يخاف كلام الناس؟ المنتظم في وكالة أنباء (قيل وقال)... وتهتم وكالة أنباء (قيل وقال) أول ما تهتم "بالعادات والتقاليد والأعراف"... والويل لمن تسول له نفسه نقد تقليد أكل عليه الدهر وشرب، أو رفض عرف جاوزه الزمن... أو ترك عادة فقدت قيمتها... كلنا نخشى سطوة هذه السلطة السادسة، ونحاول الابتعاد عن محيط تأثيرها، ونبذل النفيس والرخيص حتى لا نكون مضغة على "ألسنة الناس".. يلوكون سمعتنا كاللبان في المجالس والمحافل... نخفي سلبياتنا ونستر أخطاءنا وندمدم فضائحنا، ونبلع الحصى ونتجرع المر حتى لا تدري عنا وكالة أنباء (قيل وقال)، فتمسك بتلابيبنا، فتملأ حياتنا قلاقل ومشاكل، والذي لا يخاف "كلام الناس" إما أن يكون مجنونا مرفوعا عنه القلم وإما أن يكون "وجه ابن فهرة"، الذي ليس عنده مكانة يحافظ عليها، ولا سمعة طيبة يخشى عليها يعيش حاثلا في قاع القنوط لا طموحا يرتجي، ولا ذما يتقي...

ووكالة أنباء (قيل وقال) أكثر أخبارها ذم، وأغلب تحليلاتها قدح، ومعظم تعليقاتها نقد جارح... وإن مدحت فإنها لا تمدح إلا أعمال المشعوذين من أدعياء طب أو أدعياء سحر أو أدعياء خرافة.

هذه هي "السلطة السادسة"، التي لا سلطان عليها إلا الله، ولا سلطة أخرى تقدر على احتوائها أو تنظيمها أو تأميمها – مع أنها مؤممة خلقة – .

هذه السلطة لها أسلحة فتاكة لا ترى كأشعة الليزر... منها الإشاعات التي لم تسلم منها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها، التي نزلت براءتها من فوق سبع سموات في القرآن الكريم... ولهذا جعل الله قذف المحصنات من الكبائر السبع... والإشاعات هي في حد ذاتها عالم تناولت الدراسات سيكولوجيته عرضا وطولا وعمقا في كل الجامعات... كذلك من أسلحة هذه السلطة العجيبة "سلاح النكت"، التي تنطلق كالصواريخ هنا وهناك، لا أحد يقدر على كبتها أو يستطيع ردها... ومسكين من كان هدفا لها... و (كلام الناس) قد يتحول فيما بعد إلى أساطير شعبية، وينتقل مع التراث من جيل إلى جيل... أو يتحول إلى تاريخ غني موثق "بقال الراوي يا سادة يا كرام"...

والكارثة تكون إذا تعاونت السلطة الرابعة، وهي الإعلام عموما، والصحافة خصوصا – إذا تعاونت مع السلطة السادسة – واعتمدت على وكالة أنباء قيل وقال، ونشرت أخبارها مروجة لها عن نية خبيثة أو نية غبية.
هذه نبذة يسيرة عن هذه "السلطة السادسة" كفانا الله وإياكم شرها.

وهناك (إشاعات مبرمجة) (يطلقها محترفون) تدمر مجتمعات وتهدم أسرا وتفرق أحبة وتسبب في إهدار الأموال. والمشكلة أن عامة الناس تصدق الإشاعة حتى ولو كانت غير قابلة للتصديق: كأن تقول "أتلفت وزارة الصحة تفاحا مشحونا بفيروس (الإيدز)".؟!
وكم أحزنت الإشاعة قلوبا وأورثت حسرة وهجرت عاجزين عن مقاومتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي