أشياء صغيرة تعني الكثير ..

[email protected]

هناك في الدنيا الواسعة وفي أحوالنا نحن البشر، أشياء نفعلها تمر علينا مرور الكرام ولكنها تترك بالغ الأثر.أسرد لكم بعض الذي يسرّني ويتركني أغرد بلا مايسترو و لا جوقة، أو الذي يحزنني فلا أملك غير الدعاء . هي أشياء تحصل لنا ومـن حولنا .. لكنها تعني الكثير .
أن تسير باتجاهي امرأة غريبة لا أعرفها، تقترب بهدوء وتبتسم وتلقي التحية على مسمعي وأرد بأحسن منها، ابتسامة لا تكلف شيئاً و مهارات تواصل عالية فضل الله بها بعضنا على بعض ...سلوك إنساني يعني الكثير .
أن أنام القيلولة على مقعد غرفة الجلوس الوثير دون أن أشعر بنفسي من كثرة التعب، فيأتي ولدي الصغير يمشي على أطراف أصابعه ليدثرني بالغطاء ويقبّلني وأنا نائمة أحلم أحلاماً سعيدة، ذلك يعني الكثير... الكثير.
أن يهاتفني أبي أو أخي أو زوجي أو ولدي قبل مهمة صعبة أو أمر سأفعله ،ليطمئن على معنوياتي ويدعم ويشجع، مؤكداً أنه يحملني في قلبه ..فذلك يعني الكثير .
أن أشاهد أماً كهلة بصحبة ولدها البارّ أو ابنتها الحنون يدفعونها في كرسي العجلات داخل المستشفى لتراجع الطبيب، بينما أخريات لا ولد معهن ولا بنت تردّ تضحيات (كما ربياني صغيراً ) فقد تركوا البِِِرَّّ بين أيادي الخادمات ! ذلك يعبّر عن الكثير .
أن تهدى إليّنا عيوبنا ويشار إلى هفواتنا من شخصٍ ودود، على طبقٍ من فضة وبأسلوب حكيم مُقنع، فذلك الأمر بالمعروف وذلك يعني الخير الكثير.
أن يتغنى الزوج والأولاد بلذة الطعام والأطباق الشهية التي تقدمها الأم من صنع يديها ،بالرغم من مهامها وأعبائها الأخرى خصوصاً لو كانت تعمل، فتلك قمة التقدير وذلك يعني الكثير .
أن تشعر الأم والزوجة والأبنة بأنها كيان رئيس في الأسرة يلجأ إليها ويؤخذ برأيها مهما صغر سنها وحتى بعد أن تبلغ من العمر عتياً، فذلك "الرفق بالقوارير والذل من الرحمة" وهو يعني الكثير .
أن يجيب على الهاتف سكرتير مكتب مسؤول كبير في قطاع حكومي، وهو مبتهج ومتعاطف ومستعد لخدمة المتصل (برموش عينيه ) وبدون عجرفة، (فالمسئول يبان من سكرتيره! ) وذلك (ياجماعة) يعني الكثير.
أن تمر المرأة عبر أي باب أو بوابة فيفتح لها الباب رجلٌ مهذب منتظراً أن تمرّ قبله ،و بكل ذوق واحترام ،فذلك يعني أن فئات من المجتمع الذكوري تبادر بالخروج من عليائها، وذلك يدلل على كثير .
أن يكتب الكاتب أو الصحافي لكل من يقرأ ما هو مفيد وأكيد . أن ينقد المتعالي والمخطئ والمتحذلق، أن يكشف الأمور المخفية والأحوال المتردية والجميل المخبأ في أفرع الشجر وطرقات العالم، ليعرف الناس أحوال الآخرين. فهدف الكتابة في النهاية الرقي والارتقاء. الارتقاء بأنفسنا لتبقى الصحافة راقية و ذلك يبشر بالخير الكثير.
أن نتناقش بحرية مع أي طرفٍ آخر دون تنطّع مُهلك أو تحيز مقيت ونظل متمسكين "ألا نـُفسد للود قضية"،فذلك يعني الكثير.
أن نناقش ونجادل شخصاً جاهلاً لايفقـه من الأمر شيئاً فتلك مضيعة للوقت والجهد، بينما الحوار"بالتي هي أحسن" يجعل بعضهم يعترف بخطئه بكل سهولة . اللسان المعسول في الحق من أسباب استدراج الولي الحميم (الذي يستاهل) والله مع الصابرين .
هناك أناس يبثون لنا رسائل سلبية بأننا لن نقدر ولن نستطيع ويستحيل أن نحقق أي شيء ! وآخرون يحفزون القلب أن ينبض والحواس أن تناضل والهوية أن تكون .. وجود هؤلاء البشر يزين حياتنا والعيش بينهم يطيب..والدنيا دونهم حتماً لاتعني الكثير .
أن يمتلك المرء ناصية الكلام والطلاقة في التعبير فتلك نعمة من الله، ولكن هناك الكثير من الأمور التي يصعب علينا التعبير عنها شفوياً أو بالقلم لأنها مازالت تقع في منطقة بين العقل والقلب ولم نحدد لها المستقر . علينا أن نخاصم الصمت في بعض الأحيان فالتعبير عن الذات بإخلاص ومداراة للآخرين ... يحقق الكثير .
أن تتبسم في وجهي مسؤولة التفتيش في جمارك المطار وهي تمارس عملها، عندما أفرد ذراعيَّ لتمرر جهاز الكشف بالأشعة، وتردد "أن صحبتني السلامة" . بينما موظفات أخريات يضعن أطناناً من المكياج على وجوههن في اعتراف صامت (بالوحاشة)، وصحون (الفصفص) وكأسات الشاي مع ( الفول والتميس) على الطاولات في أطراف الغرفة الصغيرة، تفسد مدلولات أهمية المكان وتحط من قدر العمل ! وتفتشني على خير وجه بينما تتحدث بالجوال ! وكأني عابرة سبيل لست ذات أهمية ! لاأدري لما ينقصنا الحس بالالتزام في أداء العمل خصوصاً في موقع حساس كالمنافذ الجوية والمطارات في مدن المملكة ! فعمل المرأة في قطاع الجمارك يعتبر من واجهات العمل في القطاع الحكومي. فأين المسؤول عنهن؟ وأين التطوير ؟ ليتهن يرتقين أكثر بمستوى الأداء والحرفية المهنية ليعكسوا النظرة المشرفة عن الموظفة السعودية خصوصاً للزوار في مواسم الحج والعمرة، حينها ذلك سيعني الكثير .
وأخيراً أن نسجد بشوق وخشوع لنخبر من يعلم السر وأخفى بما يقلقـنا، ندعوه أن يكفينا شر السوء وأهله بما شاء وكيفما شاء، دون أن يسمعنا أحد ودون أن نفضح الدفين المخبأ ... لأن للمحبة أسرار . ذلك حقاً هو المعين الذي لا ينضب ودونه لا نساوي كثيراً أو قليلا.. دمتم ومن تحبون في خير كثير .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي