أبعاد مشروع قانون الطاقة الأمريكي

وافق مجلس الشيوخ الأمريكي في شهر حزيران (يونيو) الماضي على مشروع قانون شامل للطاقة يتناول العديد من الجوانب التي تعكس توجهات سياسة الطاقة الأمريكية على المديين المتوسط والطويل. ويتميز هذا القانون بكونه الأول منذ عام 1975 الذي يضع أهدافا محددة لكفاءة استعمال الوقود في وسائل النقل، الأمر الذي كان ولا يزال يلقى معارضة شديدة من صناعة السيارات. ولكي يدخل هذا القانون حيز التنفيذ لا بد من أن يوافق عليه مجلس النواب الأمريكي إضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية جورج بوش. وفي ضوء الأكثرية المريحة التي حضي بها، موافقة 65 عضوا مقابل 27 ضدا من أعضاء مجلس الشيوخ، فإن من المرجح ألا يأتي القانون النهائي مختلفا جذريا عن الصيغة الحالية.

و إن أردنا اختيار عنوان جامع يعكس التوجه الرئيسي لهذا القانون فسيكون "تخفيض الاعتماد على النفط". حيث يدعو المشروع إلى تخفيض استهلاك النفط بمعدل 20 في المائة من مستواه المتوقع بعد عشر سنوات، يتركز معظمه في قطاع النقل.

يلزم مشروع القانون صناعة السيارات برفع كفاءة الوقود في السيارات بنسبة 40 في المائة, ويفرض زيادة حجم الوقود العضوي (الإيثانول)، المستعمل في وسائل النقل كبديل للجازولين، إلى سبعة أضعاف مستوى الاستعمال الحالي بحلول عام 2022. كما يوفر القانون منحا مادية وقروضا مضمونة من الحكومة للبحث العلمي والتطوير التقني في مجال تحويل الفحم إلى وقود ديزل، ومجال حبس غاز ثاني أوكسيد الكربون، ومجال تحسين كفاءة الوقود في وسائل النقل. كما أن القانون يمكن الحكومة من مقاضاة شركات النفط وتطبيق العقوبات عليها في حال إدانتها بالتحكم في أسعار النفط.

وقد جاء مشروع القانون بعد عملية تفاوض صعبة حاولت قوى الضغط الممثلة للمصالح المختلفة في المجتمع أن تجير النتائج لمصالحها، كما هي العادة في النظام الديمقراطي الأمريكي. فإن تركيز مشروع القانون على تخفيض الاعتماد على النفط يستجيب للقوى التي ترغب في تخفيض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط لأسباب سياسية واستراتيجية قد تترتب على زيادة اعتماد الولايات المتحدة على المنطقة وما يرافقها من تطور في العلاقات المتبادلة.

كما يعكس المشروع قوة التأثير الملحوظة للقوى المدافعة عن البيئة، إذ تمكنت هذه القوى - علاوة على رفع معايير كفاءة وسائل النقل وزيادة حجم الوقود البديل النظيف - من أن تحول دون حصول صناعة الفحم على دعم عمليات تحويل الفحم إلى ديزل للسيارات، بسبب انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تولدها هذه الصناعة. واقتصر الدعم في هذا المجال على البحث العلمي والتطوير.

أما شركات النفط فقد تمكنت من صد المحاولات الهادفة إلى فرض ضرائب جديدة على أرباحها وكذلك من عدم الشروع في عملية إنتاج الديزل من الفحم. إلا أنها لم تتمكن من فتح مناطق جديدة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.

أما صناعة السيارات الأمريكية التي تبدو من أكثر المتضررين من هذا القانون، حيث عليها أن تلتزم برفع كفاءة السيارات إلى متوسط 35 ميلا للجالون، فالواقع هو أنها ما زالت في موقع مريح نسبيا لو تم مقارنتها بصناعات السيارات في الدول الأخرى. فصناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي قد التزمت بزيادة كفاءة سياراتها إراديا إلى 44,2 ميل للجالون، بينما تفوق الكفاءة الحالية لصناعة السيارات اليابانية معدل 45 ميلا للجالون.

وباستثناء الفوائد البيئية الناتجة عن زيادة كفاءة وسائل النقل وزيادة الاعتماد على الوقود النظيف، فإن أقل المستفيدين من هذا القانون هو المستهلك العادي. حيث إن ما اعتمده القانون من إجراءات متمثلة في زيادة استعمال الوقود العضوي ستسهم في رفع وتيرة توجيه الزراعة نحو إنتاج الطاقة الذي سيؤدي بدوره إلى تحوير الإنتاج بعيدا عن المواد الغذائية وعلف الحيوانات مما يتسبب في ارتفاع أسعار تلك المواد حول العالم. كما أن زيادة مساحات الأراضي المستعملة للأغراض الزراعية على حساب الغابات له نتائج سلبية على الموارد البيئية الطبيعية. ويذكر في هذا السياق أن الطلب العالمي على الحبوب الذي كان ينمو بمعدل 1,2 في المائة سنويا خلال العقد الماضي ، أصبح ينمو بعدل 1,4 في المائة في السنوات الأخيرة، ويتوقع لهذا المعدل أن يرتفع إلى 1,9 في المائة سنويا في السنوات المقبلة.

كما يجدر الإشارة إلى أن استدامة جدوى الوقود العضوي مع توفر الدعم المشار إليه أعلاه يتطلب بقاء أسعار النفط الخام فوق مستوى 40 دولارا للبرميل تقريبا, ولكي تصبح الصناعة مربحة بدون الدعم، على الأسعار أن تزيد على نحو 70 دولارا للبرميل. ويشار في هذا السياق أن تقنية تحويل الفحم إلى ديزل، فيما لو تم اعتمادها في القانون فكانت ستتطلب مستوى الدعم المباشر نفسه كصناعة الوقود العضوي كحد أدنى.

إن تقنية تحويل الفحم إلى وقود نقل، في ضوء الاحتياطيات الكبيرة الموجودة من الفحم حول العالم، قد تشكل بديلا كاملا للوقود التقليدي في قطاع النقل فيما لو تجاوزت أسعار النفط المستوى الذي يجعل منها بديلا مجديا اقتصاديا ومقبولا بيئيا. وهي إضافة إلى صناعة الوقود العضوي تضع كبار منتجي النفط أمام خيارات صعبة نظرا لتأثيرها في أمن الطلب المستقبلي على النفط المتمثل في زيادة مخاطر الاستثمار في توسعة قدرات الإنتاج. إلا أن الإحجام عن الاستثمار في قدرات إنتاج كافية لإبقاء أسعار النفط دون تكلفة هذه البدائل سيؤدي إلى تعزيز جدواها الاقتصادية ودعم موقعها في الأسواق على حساب موقع النفط. بينما إبقاء أسعار النفط في النطاق المطلوب يتطلب استثمارات كافية توفر فائضا في قدرة الإنتاج للدفاع عن أسواقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي