إدارة عملية إعادة تقييم عملات مجلس التعاون

[email protected]

يبدو أن أكثر من دولة عضو في مجلس التعاون أصبحت قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ قرار بشأن رفع قيمة عملتها الوطنية مقابل الدولار الأمريكي. بيد أنه من المهم بمكان التأكد من حسن إدارة أي تغيير محتمل في العملات. كما يقتضي الصواب التدرج النسبي في زيادة قيم العملات حفاظا على مصالح مختلف أطياف المجتمع. بمعنى آخر, أننا نرفض ما جاء في تقرير صادر من قبل "ستاندارد تشارترد بنك" الزاعم أن عملات دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة للارتفاع بنسبة 20 في المائة مقابل الدولار الأمريكي. وجاء في التقرير أن عملات دول مجلس التعاون بحاجة لرفع قيمتها الفعلية بهذه النسبة الكبيرة لغرض مواجهة هبوط قيمتها الشرائية بسبب التضخم.

موجودات مقومة بالدولار

الشيء المؤكد هو أن تقليص قيمة الدولار بنسبة 20 في المائة سيترتب عليه آثار سلبية لأسباب واقعية. يشار إلى أن عددا كبيرا من المؤسسات تحتفظ ببعض أموالها بالدولار ولديها سندات مقومة بالدولار. كما أن كثير من المصارف تعتمد الدولار في معاملاتها. في المحصلة ستعرض العديد من المصارف فضلا عن المؤسسات التجارية وعدد غير قليل من المستثمرين إلى خسائر ضخمة في حال رفع قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار بنسبة كبيرة وفي فترة قصيرة.
من شأن رفع قيمة العملة بشكل كبير التسبب في إحداث خلل في جوانب أخرى في قطاع الخدمات المصرفية. على سبيل المثال, سنلاحظ هروب ودائع من حسابات مقومة بالدولار إلى أخرى بالعملات الوطنية. كما من شأن هذه الخطوة فرض واقع جديد مرده وجود هوة واسعة بين معدلات الفائدة على الحسابات المعومة بالعملات المحلية وأخرى بالدولار.

التدرج كلمة السر

بالمقابل، هناك من الاقتصاديين من يدعو إلى التدرج في تغيير قيمة الصرف. على سبيل المثال، يرى الاقتصادي البحريني محمد حبيب أن المصلحة تقتضي رفع قيمة العملة الوطنية بنسبة 3 في المائة وبشكل تدريجي وذلك في إطار حل مؤقت. ويرى حبيب أن المطلوب من دول الخليج تطبيق خطة تنويع اقتصادياتها ما يعني تقليص الاعتماد على النفط كحل عملي لمواجهة معضلة الدولار. حسب الأرقام المتوافرة, تعتمد اقتصادات دول مجلس التعاون بشكل نوعي على القطاع النفطي (النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية). يشكل الدخل النفطي نحو 90 في المائة من دخل الخزانة فضلا عن الصادرات في الكويت.

رفع قيمة الدينار الكويتي

المعروف أن الحكومة الكويتية قررت في أيار (مايو) من العام الجاري فك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي واستبداله بسلة من العملات. حسب التقارير الصحافية، يشكل الدولار نحو 70 في المائة من السلة. وقد اتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. يتسبب هبوط الدولار في استيراد التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأمريكي وخصوصا من دول منطقة اليورو فضلا عن بريطانيا واليابان.
وقد سمح البنك المركزي الكويتي بارتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار بشكل تدريجي منذ 20 أيار (مايو) الماضي، حيث وصل إلى نحو 4 في المائة في المجموع. بمعنى آخر, لم يحدث ارتفاع نوعي كبير في قيمة الدينار الكويتي وذلك على الرغم من فك الارتباط بالدولار الأمريكي. بدورنا نؤيد هذا التوجه المحافظ لأنه يحافظ على مصالح مختلف الأطراف.

التضخم أم المشكلات

يتوقع بعض المراقبين قيام كل من الإمارات وقطر برفع قيمة الدرهم والريال ربما مع بداية عام 2008. ويعود هذا الأمر إلى أن الإمارات وقطر تعانيان من معضلة التضخم أكثر من غيرهما من الدول الأعضاء الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. استنادا إلى مسح من تنفيذ وكالة رويترز للأنباء, بلغ مستوى التضخم نحو 10 في المائة في عام 2006 في الإمارات وقطر على حد سواء. ولا يتوقع حدوث تراجع كبير في مستويات التضخم في البلدين بعد نشر إحصاءات عام 2007 وذلك على خلفية النمو الاقتصادي الذي يعود في جانبه إلى توظيف الفوائض النفطية فضلا عن معضلة استيراد التضخم بسبب ضعف الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى. كما أسلفنا فإن ظاهرة الغلاء (أو ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة) تعود للنمو الاقتصادي المحلي القوي فضلا عن التضخم المستورد الذي يعود في جانبه إلى تراجع قيمة الدولار.
هناك شبه اتفاق بين علماء وأساتذة الاقتصاد على أن التضخم يعد أكبر عدو في أي اقتصاد. والسبب في ذلك هو أن التضخم يضر الجميع حيث ترتفع الأسعار بالنسبة للفقير والتاجر (لا شك يعد الفقير الأكثر تضررا من الناحية النسبية). طبعا الحال لا ينطبق بالضرورة على البطالة حيث يتركز الضرر على العاطلين. وعليه المطلوب من السلطات محاربة جميع أشكال التضخم حفاظا على مصالح جميع أفراد المجتمع. طبعا ليس المطلوب محاربة ظاهرة التضخم بأي ثمن أو دون الاعتبار لمصالح مختلف مكونات المجتمع من مصارف ومؤسسات تجارية ومستثمرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي