على هامش قمة "أوبك"
تركزت أنظار العالم على مدى الأيام الماضية على الرياض لمتابعة أعمال قمة "أوبك"، ومع أن مسمى منظمة "أوبك" بحد ذاته مثير للاهتمام لكونها متحكما رئيسيا في عصب الطاقة في العالم، إلا أن عقدها في الرياض ضاعفت من هذا الاهتمام العالمي بالقمة، فالزخم الإعلامي والسياسي المصاحب لها لا يمكن فصله عن عوامل ثلاثة لعبت دورا مهما في إضفاء كل هذه الأهمية عليها، العامل الأول شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز كواحد من أهم القيادات السياسية في العالم اليوم، وصاحب الدور البارز إقليميا ودوليا، والثاني البلد المنظم والمستضيف وهو المملكة بصفتها أكبر منتج ومصدر ومستثمر للنفط في العالم والمؤثر الرئيسي في منظمة "أوبك"، والثالث "أوبك" كمنظمة تتحكم في سوق النفط سعرا وإنتاجا، خصوصا في هذا الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار لقيم غير مسبوقة ومرشحة لمزيد من الارتفاع في ظل تنامي الطلب ومحدودية الإنتاج قياسا عليه.
هذا التغير السعري في سوق النفط، الإيجابي بالطبع للدول المنتجة، سيحقق لها دخولا كبيرة تؤمن لها قدرات مالية مجزية بما يجعل من منظمة "أوبك" كممثلة لتجمع دولي، واحدة من أهم المؤسسات الدولية الفاعلة، إلا أن هذا يتطلب أن تخرج من كونها منظمة محدودة الاهتمام المقصور على متابعة الإنتاج والسعر إلى منظمة تهتم بعملية التنمية المتعددة لبلدانها وشعوبها بالدرجة الأولى إلى جانب مساهماتها الإنسانية من خلال صندوق "أوبك"، الذي تقدم من خلاله مساعدات لدول العالم الثالث. فالمطلوب منها في هذا الظرف وفي ظل ارتفاع قيمة النفط أن تتحول إلى منظمة تنموية تستثمر في إنشاء صناعات بتروكيماوية، لتكون دول "أوبك" نشطة في هذا المجال ومنتجا ومصدرا له وليس للنفط الخام فقط.
من ضمن ما قرأته من تصريحات على هامش القمة هو دعوة للمنظمة لأن تشارك وتسهم بدور في معالجة الفقر في العالم الثالث، وهذا جيد ولا شك ويدخل في صلب مطلب توسع اهتماماتها حتى يمكن أن تكون منظمة فاعلة على الصعيد الإنساني والاجتماعي وتخرج من تقوقعها ضمن دائرة الأسعار والإنتاج. فهذا التاريخ الطويل لها ومعانات كثير من الشعوب خاصة شعوب دول أعضائها من مشكلات كالفقر وشتى جوانب القصور في التنمية، جاء الوقت لأن تتحول فيه إلى منظمة أكثر فاعلية على المستوى التنموي بدخولها في دور المساهمة في العملية التنموية، ومثال على ذلك الخطوة الرائدة لملك هذه البلاد حين كلف شركة أرامكو البترولية السعودية بإنشاء جامعة للعلوم والتقنية في المملكة، بمعنى التطلع لأن تبدأ "أوبك" بالالتفات صوب المبادرة عبر إنشاء إدارات متعددة تعنى بجوانب شتى في عملية تنمية لبلدانها بجهد مشترك من جميع دولها، فحتى الآن ورغم السنوات الطويلة لم تستطع إقامة شركة تنقيب على مستوى عالمي مثلا تنافس فيه الشركات الأخرى وجلها تابعة للدول المستهلكة، فالصناعات البترولية اليوم وفي الغد تعد من أهم الصناعات لارتباطها بسلعة حيوية ومتعددة التصنيع.
أعتقد بل أجزم أن أجواء جلسة افتتاح القمة بدأت من الحضور المكثف على مستوى قادة الدولة وكلمة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز وكلمة خادم الحرمين الشريفين ثم بيان الأمين العام لـ "أوبك" السيد البدري توحي بأن المنظمة مقبلة على مرحلة جديدة ستدخل إليها من ناحية تفعيلها كمنظمة بترولية تدار بفكر سياسي، ويدل على ذلك المبادئ الثلاثة التي تبنتها القمة وهي تعهد المنظمة بالعمل على تأمين إمدادات كافية للنفط لضمان استقرار السوق العالمية وإسهام المنظمة في التقدم والازدهار العالمي من خلال دفع التنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، الذي نرجو أن تبدأ فيه بنفسها حتى لا يتحول ذلك إلى ضريبة على "أوبك" وثالثها مساهمة "أوبك" في حماية البيئة، ولكن حين نقيس هذه المبادئ الثلاثة نرى أن منظمة "أوبك" وهي تمثل أكبر تجمع نفطي عليها مسؤولية تأمين معظم حاجة السوق دون أن نغفل مسؤولية دول نفطية أخرى خارج المنظمة التي يجب أن تطالب بأن تعمل بالتوافق مع "أوبك" على الأقل، أما إسهاماتها في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية العالميين وحماية البيئة فلا بد من تعاون ومشاركة فاعلة من الدول المستهلكة الصناعية الكبرى في ذلك، فالنمو والتنمية ليستا مسؤولية "أوبك" وحدها، كما أن حماية البيئة لن تكون فاعلة ما لم تتعاون في ذلك الدول الصناعية المتسببة الأولى في تدمير البيئة، بمعنى أن تكون هناك شراكة دولية في مثل هذه القضايا الكبرى لا أن يلقى العبء كله على "أوبك" ودولها فقط.