الإصلاحات ضرورية لتحسين ملاءة دول التعاون

[email protected]

تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى إصلاحات جذرية في عدة مجالات إذا كانت راغبة في تحسين ملاءتها المالية. ويعود سبب الحديث عن هذا الموضوع في هذا الوقت بالتحديد إلى قيام مؤسسة موديز لخدمات المستثمرين بنشرها تقريرا خاصا عن دول مجلس التعاون. يحمل التقرير عنوانا مثيرا وهو "لماذا لا تتمتع أغنى دول مجلس التعاون الخليجي بأفضل ملاءة مالية ممكنة؟" تعد (أي أي أي) أفضل ملاءة مالية ممكنة تمنحها شركة موديز.

درجات متفاوتة
تتميز "موديز" عن باقي المؤسسات الرئيسة الأخرى العاملة في مجال منح ملاءات مالية بتقييم الشركات التجارية والحكومات بملء إرادتها أي دون طلب من الجهات الخاضعة للتقييم. وعلى هذا الأساس هناك تقدير عالمي خاص للدرجات التي تمنحها "موديز" لأنها لا تتساهل في تقييماتها. يعرف عن الشركة تشددها في منح الملاءة المالية ما يعني وجود الكثير من المصداقية في الدرجات التي تمنحها.
تمنح شركة موديز في الوقت الحاضر كلا من: الإمارات، قطر، والكويت الدرجة (أي أي 2) مقابل (أي 1) للسعودية فضلا عن (أي 2) لكل من: عمان والبحرين. تعد الدرجة الممنوحة للإمارات، قطر، والكويت الأفضل بين دول مجلس التعاون. لكن ما يثير التساؤل هو عدم حصول أي من الدول الست على أفضل رتبة ممكنة (أي أي أي) على الرغم من امتلاكهامصادر الطاقة, خصوصا النفط والغاز.

منطقة نزاعات
حسب التقرير الأخير, هناك عدة أسباب سياسية واقتصادية تحول دون حصول دول الخليج على أفضل الدرجات. يكمن السبب الأول في الموقع الجغرافي للدول الست. والإشارة هنا إلى منطقة الخليج المليئة بالمخاطر السياسية, إذ إنها تفتقر إلى سجل من الاستقرار المطول نسبيا مثل بعض مناطق أوروبا الغربية. الشيء المؤكد هو أن المنطقة الجغرافية لدول التعاون عانت الأمرين في العقود الثلاثة الماضية بدءا من الحرب العراقية - الإيرانية ومرورا بالعدوان السافر للنظام العراقي المخلوع ضد الكويت, فضلا عن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق. تعاني المنطقة حاليا التداعيات السلبية لتدهور الأوضاع الأمنية في العراق.
ولا يبدو في الأفق أن المنطقة ستنعم بالهدوء, وذلك على خلفية التعقيدات المرتبطة بالمشروع النووي الإيراني. ويخشى أن تؤدي أي مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران إلى إحداث تدهور خطير في الأوضاع الأمنية, الأمر الذي قد ينال من القدرة التنافسية لاقتصاديات دول المنطقة برمتها. بل يخشى أن تسبب الحرب المحتملة إلى نزاع عالمي أو كما قال الرئيس الأمريكي جورج بوش (حرب عالمية ثالثة).

دولة المؤسسات
إضافة إلى ذلك, أشار التقرير إلى مسألة حيوية أخرى تتمثل في عدم توافر نظام مؤسساتي واضح المعالم مثل المجالس التشريعية. فالمؤسسات الديمقراطية غير منتشرة في جميع دول المجلس. تمنح المؤسسات الديمقراطية فرصة مناقشة الأمور المحلية ومراجعة السياسات الاقتصادية. ويشكك التقدير في كفاءة المؤسسات الإدارية والقضائية فضلا عن التشريعية في دول المنطقة. فيما يخص المؤسسات الإدارية على سبيل المثال, هناك انتقاد لقيام السلطات بتعيين أفراد في مناصب قيادية لأسباب لا تتعلق بالكفاءة مثل الولاء.
كما انتقد تقرير "موديز" افتقار دول المنطقة إلى مبدأ نشر الإحصاءات الحيوية ضمن تواريخ محددة, الأمر الذي يتناقض مع مبدأ الحوكمة. بل إن بعض التقارير المنشورة تقدم القليل من التحليلات المهنية. من بين الأمور الأخرى, يرتكز مفهوم الحوكمة حول مدى التزام السلطات بتوفير أكبر قدر من المعلومات الصحيحة والدقيقة وبأيسر السبل للجهات الراغبة في حصولها.

الاعتماد على القطاع النفطي
أخيرا وليس آخرا, ليس بمقدور دول الخليج الست الحصول على أعلى مستويات الملاءة نظرا لاعتماد اقتصادياتها بشكل كبير نسبيا على القطاع النفطي. تعتمد اقتصاديات دول المجلس بشكل نوعي على القطاع النفطي (النفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات النفطية)، وعلى الأخص فيما يتعلق بإيرادات الموازنة العامة. يشكل الدخل النفطي في المتوسط نحو 80 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في دول مجلس التعاون. كما يستحوذ القطاع النفطي على نصيب الأسد فيما يخص الصادرات في كل دول مجلس التعاون. تشكل الصادرات النفطية نحو 90 في المائة من قيمة الصادرات الكويتية. أيضا يسهم القطاع النفطي بشكل ملحوظ في مكونات الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون مع بعض الاستثناءات مثل البحرين وإمارة دبي. تكمن مشكلة الاعتماد على القطاع النفطي في ضرورة التكيف مع تذبذب أسعار النفط, من حيث الارتفاع أو الهبوط, الأمر الذي يجعل اقتصاديات دول المنطقة تحت رحمة الأسواق العالمية (صحيح أن أسعار النفط مرتفعة في هذه الفترة التاريخية لكن كل شيء قابل للتغيير في المستقبل).
يبقى أن بمقدور دول الخليج الست توظيف الفوائض النفطية للإسهام في تحقيق الهدف الأسمى ألا وهو التنوع الاقتصادي, وفي ذلك منفعة أخرى للذهب الأسود. ختاما: المطلوب من دول مجلس التعاون قراءة تقرير مؤسسة موديز بتمعن نظرا لمناقشته مسائل حيوية تتعلق بالطرق الكفيلة للحصول على ملاءة مالية متقدمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي