هل تشجع أنظمتنا عمل المرأة؟

[email protected]

يبلغ عدد النساء العاملات في السعودية في القطاعين العام والخاص مجتمعين نحو 350 ألف امرأة من مجمل نحو تسعة ملايين أنثى نتاج التعداد السكاني الأخير، ومن مجمل خمسة ملايين تقريباً ممن هن في سن العمل والطاقة الاقتصادية، مسجلة المملكة أدنى معدل مشاركة اقتصادية للمرأة في العالم, إذ يبلغ 5.5 في المائة وهذا مقابل سبعة ملايين تقريباً من العمالة الوافدة التي تُستقدم لتملأ فراغ بقاء المرأة في المنزل وتنفيرها من العمل وتعجيز ظروفها عن الخروج لتحمل مسؤوليتها تجاه مجتمعها وهدر لاقتصاد البلاد الذي يذهب نتاجه إلى دول هذه العمالة في صورة تحويلات تبلغ أكثر من 60 مليار ريال.
وعلى الرغم من هذا العدد الزهيد من النساء اللاتي أصررن على أن يكون لهن دور في بناء مجتمعهن واقتصاد بيوتهن إلا أن السياسة التنفيذية للحكومة، وللأسف الشديد، وعلى الرغم من تصريحاتها الإيجابية المختلفة، ولا سيما في أعلى الهرم، والتي تدعو إلى تشجيع عمل المرأة وضرورة مشاركتها الاقتصادية نجد أن الأنظمة التي تصدر عن الحكومة في إجراءاتها التنفيذية هي أنظمة تدفع المرأة إلى اختيار ترك العمل إن لم تُجبر على ذلك.
فنظام العمل الجديد الذي صدر في 27 أيلول (سبتمبر) 2005 أحدث بعض التغييرات في نطاق إجازة الأمومة التي تمثل الإشكالية الرئيسة للنساء العاملات. فمحاولة التوفيق بين مسؤوليات الأمومة والعمل هي المعادلة الأزمة في مجتمعنا. فتنص المادة 151: (للمرأة العاملة الحق في إجازة وضع لمدة الأسابيع الأربعة السابقة على التاريخ المحتمل للوضع، والأسابيع الستة اللاحقة له، ويحدد التاريخ المرجح للوضع بوساطة طبيب المنشأة، أو بموجب شهادة طبية مصدقة من جهة صحية، ويحظر تشغيل المرأة خلال الأسابيع الستة التالية مباشرة للوضع). وهو أمر جيد فالفرق بينه وبين النظام القديم أن الشهادة الطبية لا تلزم المرأة من وزارة الصحة وإنما من أي منشأة طبية. وللمرأة الحق في إجازة حمل اختيارية لها وإجباري قبولها من قبل صاحب العمل وإجازة إجبارية عند الولادة تبلغ ستة أسابيع. ولها الحق في كامل الراتب إن كانت تعمل ما يزيد على ثلاث سنوات ونصفه إن كانت تعمل لعام.
ولكن نظام العمل هذا لا يسري إلا على العاملات في القطاعات غير التعليمية، ففي الجامعات والمؤسسات التعليمية التي يبلغ العاملات فيها نحو 250 ألف امرأة، يطبق نظام الخدمة المدنية. وبناء على ذلك فإن مدة الإجازة تختلف، فوفق نص المادة الثانية والعشرين من لائحة الإجازات:

تستحق الموظفة إجازة وضع بكامل الراتب مدتها 40 يوماً كحد أدنى و90 يوماً كحد أعلى من تاريخ الولادة، وتحدد المدة المستحقة لما بعد 40 يوماً حسب الحالة الصحية للأم ولمولودها بموجب تقرير طبي من قبل أحد المستشفيات المعتمدة، وإذا احتاجت إلى إجازة بعد ذلك تعامل وفق قواعد الإجازة المرضية أو المرافقة حسب الحال.
إذا رغبت الموظفة التفرغ لرعاية مولودها فيجوز لها الحصول على فترة أو فترات إجازة أمومة مدتها ثلاث سنوات كحد أعلى طوال خدمتها في الدولة بربع الراتب بعد نهاية إجازة الوضع الواردة في الفقرة (أ) من هذه المادة، على ألا يقل ما يصرف لها عن ألف وخمسمائة (1500) ريال شهرياً.
ونظام الخدمة المدنية هذا حُدّث في العام الماضي فنظامه القديم كان يسمح للمرأة بالحصول على شهري إجازة أمومة براتب كامل وقد كان يعتبر نظاماً متعسفاً نظراً لأن شهرين لا يكفيان لضمان سلامة نمو الرضيع أو تأقلم الأم مع وضعها الجديد أو حتى استرجاع صحتها كما ينبغي، لكن النظام الجديد الذي احتُفل به أخيرا فقد قلّص هذه المدة إلى ستة أسابيع فقط، وتمديدها يتم بتقرير طبي، يعني بطلب وليس كحق، ولها قبل الوضع أسبوعان إن أرادت ولكنها تُحسب من الأسابيع الستة الكلية وفي هذا تعسف.
وهُلل حول المادة التي تسمح للأم العاملة أن تحصل على إجازة رعاية مولود ثلاث سنوات طوال مدة خدمتها بربع الراتب خلال سبع سنوات وضمان التقاعد لرعاية الأطفال. وقد اعتقد واضعو هذا النظام أنهم تفضلوا على النساء بمكرمة عندما أتاحوا لهن أن يحصلوا على هذا النوع من الإجازات وهي على الرغم من كونها مغرية وتحافظ للمعلمة على سنوات خدمتها, إلا أنها لا توفر لها الضمان أو الأمان المادي خلال هذه الفترة، فالتخلي عن ثلاثة أرباع الراتب لهذه المدة الطويلة ليست أمراً مغرياً إلا لذوات الدخول العالية أو الأسر الميسورة وهذا أمر لا ينطبق على الغالبية العظمى.
إن خيار غالبية النساء يكون بأن تعود إلى العمل بعد هذه المدة القصيرة الـ 40 يوماً بما تحمله لها من مضاعفات صحية يمكن أن تنالها وأن تحرم الرضيع أو الرضيعة من رعاية أمها المباشرة والرضاعة الطبيعية.
وفي مقارنة بسيطة بدولة متقدمة، ففي بريطانيا تبلغ إجازة الأمومة 52 أسبوعاً أي عاماً كاملاً والمدفوع منها كاملاً 39 أسبوعاً، وتختلف الأحوال في بعض الأحيان وفق نظام كل مؤسسة التي لا بد أن يكون لها نظام لإجازات الوضع ومستحقات النساء. قد يقول القائل إن في هذه بلاد نسبة المواليد ضعيفة فهو نوع من تشجيع التكاثر، ولكن بالمقابل فإن المشاركة الاقتصادية للمرأة لديهم تبلغ 44 في المائة وبالتالي فإن النساء العاملات يضاعف عددهن النساء السعوديات العاملات ربما عشرات المرات. وفي حين أنه من المفترض أن نشجع ظروف النساء العاملات العائلية على أن تستوعب أمومتهن ومشاركتهن الاقتصادية نجد أننا نقوم بالعكس وكأننا مكتفون من العمالة النسائية.
يبدو لي أن واضعي هذه الأنظمة ومن يبت فيها هم في النهاية من إخوتنا الذكور ممن ربما تتعارض مصالحهم مع مصالح المرأة ويضطرون إلى الالتزام ببعض النصوص التي وردت في الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة مكرهين. ولا أدري متى سوف تُدرج المرأة ضمن واضعي الأنظمة التي تخص المجتمع ككل والنساء على وجه الخصوص.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي