المملكة .. دراما سينمائية لا تأثير لها في مناخ الاستثمار
يعرض في هذه الأيام في دور العرض السينمائي في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العديد من العواصم العالمية والعربية فيلم سينمائي يحمل اسم المملكة The kingdom وكتب الفيلم ماثيو مايكل كارناهان وقامت بإنتاجه شركة يونيفرسال وتم تصويره في نيويورك وفي دبي وأخرجه بيتر بيرج أحد أباطرة الإخراج السينمائي في هوليوود، وتم عرضه في مهرجان أدنبرة السينمائي الدولي وحقق 40 مليون دولار في أسبوع عرضه الثالث وحل في المرتبة الثالثة في قائمة أكثر عشرة أفلام أمريكية تحقيقاً للإيرادات.
إن فيلم المملكة عرض في بعض العواصم العربية ومنها القاهرة ودبي وبيروت وقطر، بينما منعت البحرين والكويت عرضه في دور السينما البحرينية والكويتية، ولم يكن هذا الفيلم هو أول فيلم يتعرض للمملكة ولكن سبقته في العام الماضي مجموعة أفلام درامية فيها كثير من المبالغات والتجنيات.
والفيلم معني بتغطية هجمات 11 أيلول (سبتمبر) ثم ما تلاها وما سبقها من أحداث إرهابية طالت أماكن متفرقة من المملكة وغيرها من العواصم الإفريقية حتى انتهت أخيراً في أبراج مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك.
إن فيلم المملكة كأي فيلم سينمائي لا يخلو من المبالغات الدرامية والإضافات التي تحول القصة من سلسلة أحداث تاريخية إلى دراما سينمائية تشد الانتباه وتمتع المتلقي.
ولقد وجد الفيلم إقبالاً واسعاً بسبب الاسم الذي يحمله، وبسبب القضية التي يناقشها، المهم الهام الذي يطرح نفسه هو: ما تأثير الفيلم في مجمل العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وما تأثيره على معدلات الاستثمار الأجنبية التي بدأت تتزايد بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية؟
من الطبيعي ألا يكون للفيلم أي تأثير في مجمل العلاقات بين الدولتين اللتين تربطهما علاقات تحكمها المصالح المشتركة، ولذلك فإن الفيلم لا يعدو أن يكون أحد الأفلام التي تولت ماكينة صناعة السينمائية في هوليوود إنتاجها بهدف الربح المادي وتحقيق الشهرة والانتشار للشركة المنتجة ومجموعة العاملين ابتداء من كاتب العمل ثم السيناريست وحتى الممثلين والمخرج.
إن فيلم المملكة يبدو في شكله العام موضوعياً لأنه يحمل رسالة مفادها أن المواطن العربي ونظيره الأمريكي يواجهان عدواً مشتركاً هو الإرهاب وعليهما التعاون للقضاء عليه، ويركز الفيلم في تناوله العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية على المصالح المشتركة وعلى رأسها بالطبع النفط، ويستعرض هذه العلاقة عبر مشاهد وثائقية وصور أرشيفية منذ عام 1932 حتى اكتشاف البترول في عام 1938 وتأسيس شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، ثم لقاء الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت في عام 1945 على متن مدمرة أمريكية في البحيرات المرة في مصر.
ويتضمن الفيلم مشاهد يعرض خلالها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المساعدة في تحرير الكويت بشرط عدم الاستعانة بالقوات الأمريكية لكن دول الخليج حصلت على عرض أفضل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي بادرت بإرسال قواتها إلى المملكة من أجل تحرير الكويت، لكن أسامة بن لادن اعتبر وجود قوات التحالف على الأراضي السعودية عملاً يستوجب إعلان الجهاد عليها، وعندئذ دخلت القاعدة في حرب معلنة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يقدم الفيلم مشاهد تفجير مجمع سكني في مدينة الخبر في عام 1996 متزامنة مع مشاهد الهجوم على السفارات الأمريكية في دول غرب إفريقيا وحادث الاعتداء على المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن، وتنتهي هذه المشاهد بطائرة تقتحم برجي مركز التجارة العالمي، وتنتقل الأحداث الدرامية الساخنة إلى أحد المجمعات السكنية التي كان يسكنها ثلة من الأمريكيين، ولقد بدأت مشاهد أكشن جديدة في هذا المجمع حينما كان بعض الأمريكان يلعبون لعبة البيسبول وسط حراسة من أفراد متنكرين في زي أفراد أمن سعوديين يستولون على سيارة شرطة سعودية ويبدأون في إطلاق النار عشوائياً على سكان المجمع، وكعادة الأفلام الأمريكية فقد أظهر الفيلم أن الأمريكان هم الأبطال وهم الذين يقومون بحسم الأمور ووضعها في نصابها، وفي هذا السياق تتم الاستعانة بفريق من المباحث الفيدرالية الأمريكية يقوده المحقق رونالد فاليري ويجسد دوره جيمي فوكس ويضم جارنر وجيسون بايتمان وسط خلاف بين وزارة الخارجية الأمريكية والـ F.B.I حول إرسال الفريق للمشاركة في التحقيقات، فبينما يرى محققو الـ F.B.I أن لهم حقاً في الذهاب إلى الرياض وفقاً للقانون الأمريكي الذي يقضي باشتراك الـ F.B.I في التحقيق في أي هجوم إرهابي يستهدف مواطنين أمريكيين في الخارج ترى وزارة الخارجية الأمريكية أن إرسال الفريق سيضر العلاقة مع الرياض، ولكن فلوري وطاقمه المكون من ثلاثة أشخاص ينجح بشكل هوليوودي في تجاوز هذا العائق ويتخطى أوامر الخارجية الأمريكية ويسافر إلى السعودية في رحلة مدتها خمسة أيام لمتابعة التحقيقات. وهنا يبدأ الفيلم في أخذ طابع فيلم الأكشن بمواصفاته الأمريكية المبهرة، فعلى الرغم من قدرة المخرج بيتر بيرج على صنع حالة جيدة من الإثارة والترقب والتوتر.. إلا أنه يظهر الفريق الأمريكي الذي لا يتجاوز عدد أفراده أربعة أشخاص كفريق خارق لا يقهر.
وفي مشهد عبثي يزعم الفيلم إن أحد الضباط السعوديين ويمثل دوره الممثل الفلسطيني أشرف برهوم قرر التعاون مع الفريق الأمريكي بعد أن لمس عجز جهاز الأمن عن القبض على المغرر بهم الذي خرجوا على الشرعية. وهذا ما لم يحدث ولا يمكن أن يحدث ولكن ـ كما أشرنا ـ أراد الأمريكيون أن يظهروا كأبطال يحسمون كل الأمور في منطقة باتت ضحية التدخلات الأمريكية والصلف الأمريكي. وفي الواقع فإن الأمريكيين وغير الأمريكيين يعرفون جيداً أن رجال الأمن السعوديين هم الذين سيطروا على الأوضاع الأمنية في المملكة العربية السعودية وهم الذين سجلوا بمهارات فائقة انتصارات لافتة على المغرر بهم حتى انكمشت أعمالهم ولم يعد لها وجود.
إن فيلم المملكة كغيره من الأفلام الأمريكية التي ظهرت عقب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لم تؤثر في حجم الاستثمارات الغربية المتدفقة على الأسواق السعودية، بل بالعكس فإن عوامل الجذب للاستثمارات الأجنبية في المملكة باتت تغري المزيد من أثرياء أوروبا وأمريكا.