"الوثيقة القبلية" التعصب القبلي داء استفحل
جدير بالقول أن نشير إلى أن البدو عرفوا بالذكاء والحكمة والنخوة وفق منهجية تصب في صالح القبيلة، وهو ما فرض سابقاً مقولة إن النظام القبلي نظام عاقل يفضل المصلحة العامة على مصلحة الفرد.
كان يحدث ذلك في السابق حينما كان البدوي مرتبط بالجمال والغنم يعيش معها وينتقل بها، وفق إطار القبيلة تلك التي تحميه وتسانده، لكن هل استمر هذا النمط القبلي إلى الآن من خلال حكمته وتوجيهه لأفراده ؟.. الأكيد.. لا..لأن الحياة المدنية الجارية قد أعطته سعة أكبر لكي ينضوي تحت لوائها وبما يتفق مع رغباته وحياته الجديدة.. وقد فعل ذلك ليصبح أحد أركان منظومة متسارعة لها متطلبات وله مثلها، وإن عاشر الآن البعير والماعز فهو من قبيل الترف والهواية.
حالياً ومع التسارع المدني، بل والظروف المحيطة، ناهيك عن الإحباطات العنصرية والتعصب الديني والإرهاب المسموم.. هل العودة للقبيلة وإثارة النعرات المتعلقة بها سبيل للتنمية أم معوق لها؟.. بلا شك فإن ما يحدث بين ظهرانينا من تسارع لإعادة العصبية القبلية والنعرات المفروضة سواء من خلال برامج الشعر أو ما يتعلق بالإبل وجمَالها، يتنافى جداً مع ما يحتاج إليه عصرنا هذا، بل يتصادم معه، لأن التطورات العلمية والسكانية والاجتماعية و العلاقاتية بين الأفراد أنفسهم وحتى المجتمعات محلياً وعالمياً باتت تفرض مراجعة المواقف والاختيارات حتى تلك التي كنا ننظر إليها إلى ما قبل عقود قليلة على أنها أساسية ومهمة للحياة الاجتماعية باتت تحتاج إلى تغيير أو تطوير.
ووسط هذا التسارع الذي نعيشه علينا أن ندرك الآن أن العصبية للقبيلة طريق لرفض الغير، بل إنها موصل جيد للفرقة والكراهية وبما يفضي إلى إهدار كبير للطاقات والأموال، بل إن التعلق المبالغ بها بات العيب الذي مازلنا نرضع ثديه ليتغلغل أكثر في أحاسيسنا وعقولنا وأحس انه كفيل بأن يلحق الدمار ببنيتنا وارتقائنا وبكل ما ننعم ونعيشه الآن، والخوف الخوف أن يكون سبيلاً للفرقة والتناحر.
نحتاج إلى تحسين علاقاتنا الاجتماعية لنحصرها في الوطن وبما يؤدي إلى سلوك وطني جمعي راق من خلال بلورة شاملة للمجتمع، ونؤكد أن الإرادة هي الطريق إلى حل المشكلة من خلال رفض ثم نزع كل الانتماءات وحصرها في الوطن. وحسبي أن هذا هو دور الحكومة، فهي التي تستطيع تسيير الإعلام والسماح بالتجمعات، بل هي القادرة أكثر على جعل الحياة المدنية أكثر تداخلاً.. لا عبئاً حتى من خلال البطاقات المدنية تلك التي تغص بكل الأجداد والفروع والقبيلة !!
علينا أن نعيش عصرنا بما يتوافق مع متطلباته وظروفه، فالحياة الآن تختلف عما هي عليه قبل خمسين عاماً.. علينا أن نثبت حياة خلاقة تقود إلى الإبداع وإلى الحياة المدنية النموذجية، نعلق الجرس ونصبح صارمين تجاه أي دعوة لنعرات سواء كانت قبلية أو دينية، والأهم أن نتعلم ممن هم حولنا، ليس لدى العرب فقط، بل في العالم أجمع أيضا، وماذا فعلت النعرات القبلية فيهم؟ حين وجدت من يلهبها ويزيد من تفعيلها.
لنجعل من الحضارة التي نعيشها طريقاً لتطوير الأفراد، ولنؤمن أن التغيير في المفاهيم والقيم لن يتم إلا من خلال حركة شمولية تشمل الروح والخيال والجسد والعقل.. تطور الانتماء للوطن وترفض ما سواه.. ومتى ما كنّا جادين في ذلك انطلاقا من أن مصلحة الوطن فوق أي مصلحة.. أحسب أن تسارع خطانا نحو التقدم سيكون أكبر، وحتى مؤسساتنا ستتخلص ولو بعد حين من كثير من المنغصات التي ما فتئت تقود العربة إلى الخلف!.