Author

ارتفعت البطالة أم انخفضت؟

|
[email protected] الجدل مستمر فيما يتعلق بالبطالة لدينا، فمرة نتحدث عن نسبة بطالة تصل إلى ما يفوق 10 في المائة، ومره أخرى نقول إنها أقل من 5 في المائة، والآن نستقر عند ما يقارب 8 في المائة أو نحوها. السؤال الذي يثير ويحير أكثر، هل المشكلة لدينا هي في حصر نسبة البطالة الحقيقية؟ أليس من المفترض أن نسأل: لماذا وصلنا إلى هذا المستوى من البطالة؟ أي بما يفوق سكان دولة خليجية لقد أصبحت البطالة واقعا ملموسا في كل أسرة الآن تقريبا، فكل عائلة لديها خريج أو أكثر من الجنسين تعاني مشكلة الوظيفة كيف ستجدها؟ وأين سيعمل أبناؤها؟ علينا أن نتعمق في المشكلة نفسها وندع الجدل عن نسبة البطالة والآخذ والرد حولها لأنها في النهاية لن تغير من واقع البطالة في شيء. إني أتفهم أهمية الإحصاء لحصر المشكلة كظاهرة يجب معالجتها، لكن ليس من الإنصاف والمنطق أن نستمر في جدلية النسبة كم هي في الواقع. حين نتحدث عن المشكلة نفسها، ثم يتم بعدها دراسة الحلول أو طرح أجندة حلول نكون هنا قمنا بالموضوع الصحيح لحل المشكلة، وحين نتطرق لمشكلة البطالة، فالجميع يشترك فيها لا شك، سواء الأسرة أو المواطن نفسه أو ظروف التعليم لدينا والثقافة الاجتماعية لدينا التي تحضر بعض المهن والأعمال وأخيرا الأنظمة والقوانين لدينا. حين نتعرض للمشكلة بشيء من التفصيل نجد البعض يصر على التعليم الجامعي في تخصصات لا قيمة مهنية لها أو يمكن أن يكون لها سوق عمل، ونجد في الاتجاه الأخر أن سياسية التعليم بطيئة التغير إن لم تكن متوقفة عن التغيير، فما زالت كليات وتخصصات علمية تقبل طلابا وبنسب مرتفعة ولكنها لا تقد إلى سوق العمل أي إضافة أو أنها مطلوبة في سوق العمل في الأصل، إذا مشكلة اختيار من الطالب ومشكلة تعليمية من التعليم العالي، فواقع سوق العمل أصبح له متطلبات أساسية وحد أدنى لا توفره الجامعات وهذا للجنسين. هذا في التعليم العالي فلا توجد كليات تقبل ما يطلبه سوق العمل لدينا، ومثال ذلك كلية الصيدلة نحتاج في سوق العمل إلى ما لا يقل عن 60 ألف صيدلي بينما تخرج الكليات لدينا سنويا ما لا يتجاوز 100 طالب حقيقة إذا كم سنة نحتاج إلى ذلك؟ وأيضا القطاع الطبي من التمريض والوظائف الفنية يحتاج سوق العمل فيها ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة فماذا أعددنا؟ هذا في جانب التعليم الجامعي أو العالي، فماذا عن خريج الثانوي أو أقل، هذه مشكلة أخرى أيضا. لكن أعتقد أن مجتمعنا لم يعد مهيئا حتى الآن لأن يقبل أي وظيفة، أي المشكلة في المواطن والمواطنة، فالكثير اعترض على وظيفة "مربية" للسعودية كمواطنة، ولا أعرف ما العيب في هذه الوظيفة إن كان المتقدم لها امرأة لا تملك من العلم كفايته أو قدرات ومهارات تكتسبها بالتعليم أي هي وظيفة لمن لا يملك تعليما عاليا بقدر ما يملك قدرات مكتسبة أو تدريبا محدودا، أيضا الفرص المتاحة للعمل للمرأة محدودة جدا أو تكاد تنعدم في مجتمعنا، فهل وظيفة المرأة لدينا أما معلمة بأي مستوى كانت أو أن تكون طبيبة؟ العكس صحيح فهناك الكثير من الأعمال والوظائف تستطيع المرأة القيام بها ولكن هي في الواقع محظورة، إذا هي مشكلة أنظمة وقوانين ومجتمع يحارب هذا الشيء، إذا هذه تكدس العاطلات عن العمل باستمرار وبلا توقف؟ أيضا الرجل في مجتمعنا فهو يبحث بلا ككل عن الوظيفة الحكومية لأنها الأكثر استقرارا وأمانا "في نظره" ولا يتطلب منه الكثير، فلا يريد قطاع خاص يحاسبه ويراقبه ويقيمه كل فترة، بل يريد العمل بلا عمل، وهذه مشكلة ثقافة لدينا، وأتمنى من الحكومة أن تدعم المقبل على الوظيفة الحكومية أن تشجع المتقدم لها على أن يتوجه إلى القطاع الخاص. والقطاع الخاص لدينا في حال وجد المواطن الذي يملك من الجد كفايته ومن العلم احتياجه لتم القضاء على البطالة لدينا بل استمرت الحاجة إليه، لكن مشكلة القطاع الخاص أن المواطن يبحث عن عمل بمرتب عال بأقل جهد ممكن، ويريد أن يبدأ من الأعلى وليس بتدرج، أعرف مدير إحدى القنوات الفضائية يبحث عن مواطنين للعمل كمذيعين ومقدمين وغيره، حتى الآن لم يجد ما يريد لسبب أن التخصص العلمي غير موجود، ومن يتقدم لديه عمل آخر ويريد العمل بوظيفتين وهذا لا يستوي، إذا نلحظ المشكلة هي تخصص علمي غير موجود، وتجد الكثيرين يتقدمون للعمل بوظيفتين وهذا حقه لتحسين دخله، ولكن ما معايير الإتقان لديه. في النهاية أعتقد أنه لن تحل مشكلة البطالة بقرارات حكومية وإجبارية أن لم توجد البنية الأساسية الصحيحة من كوادر متعلمة، ومستعدة للعمل في أي مهنة، وفي أي منطقة من مناطق المملكة، ومجتمع يتيح العمل كثقافة عمل بلا انتقاص من العمل مهما كان "نلحظ ما تعانيه المرأة في مهنة التمريض الآن ومحاربة لها"، وأيضا على الجهات الرسمية أن تتيح العمل للمرأة أكثر فأكثر بلا موانع وشروط مستحيلة، فحين تقتحم المرأة العمل سنجد الشباب يقبلون على العمل بلا تحفظ، باعتبار أن العاطلين من الرجال الآن لا منافس لهم في الوظيفة، البطالة نحن أوجدناها ولكن لم نحلها، سواء برغبتنا أو عدم رغبتنا.
إنشرها