لماذا هذا الإهمال لدورات المياه في المساجد ؟
عاد شهر رمضان وعسى الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا. وعسانا لا ننسي تلك المساجد التي خدمتنا طوال هذا الشهر الفضيل، وألا ننسى أن شهر رمضان لا ينتهي وأنه يزورنا كل عام. وأن الدين ملازمنا في بقية الأشهر. ولكن الملاحظ علينا أننا ننسى أهمية المسجد ولا نعطي تلك المساجد العناية اللازمة لها في التصميم البديع والصيانة والنظافة. سواءً داخل المدن أو خارجها على الطرق السريعة بين الدمام والرياض أو القصيم أو مكة. وسواءً في رمضان أو على مدار السنة. وأكثر ما يقلقنا هو موضوع نجاسة وروائح كريهة لدورات المياه فيها. إن المسافرين وعائلاتهم يجدون حرجاَ كبيراً عند التفكير في الوضوء للصلاة أثناء السفر. أو حتى لقضاء الحاجة. ومَن منا لم يحرج مع عائلته وهو مسافر من ممانعتهم استعمال تلك الدورات، لما يرونه من قاذورات ونجاسات وروائح نتنة وكريهة. بعكس ما نراه في دول غير المسلمين أو حتى جيراننا القريبين. هل "حنا غير" حتى في الدين؟ وهي ذريعة للتنفير من الصلاة. الإساءة للمسجد تأتي من المواطن الذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه, والجمعيات الخيرية وهيئة الأمر بالمعروف تجوب الشوارع والأحياء دون أن تقف على المخربين أو مسيئي استعمال دورات المياه. والجهات الحكومية التي لها علاقة بالطرق السريعة والتي يجب عليها أن تضع في تكلفة تنفيذ الطرق مبلغا لدورات المياه وصيانتها على الطرق أو المساجد التي تمر بها. هل يقتضي الأمر أن نطلب من شركة الاتصالات التي تأخذ أموالنا لتتبرع بها مرة أخرى أن تتبرع لنا بدورة مياه نظيفة مع جوال برقم للطوارئ والإسعاف.
إن خير دعوة للصلاة أن تكون دورات المياه نظيفة وطاهرة فإنها بالتالي ستجذب المصلين وتساعدهم على قضاء فروضهم وحاجاتهم. وهو واجب كل مسلم قبل أن يفكر في الصلاة بنفسه أن يفكر كيف سيترك الفرصة لغيره للصلاة, ويكون جزاؤه عند الله كثيراَ. وتلك العناية ليس المقصود منها صيانة الميكرفونات فقط وإنما الاعتناء بالنظافة والطهارة التي هي أساس ديننا. ثم الاهتمام بمظهر المسجد وتنسيق وتشجير ما حوله. أن أكثر ما يسيئ إلى مساجدنا هو الروائح السيئة والكريهة التي تنبعث من دورات المياه سواء لمن يريد أن يتوضأ أو حتى المارين من أمامها للصلاة. وعدم وجود صابون أو مطهرات للنظافة. حتى أن بعض الناس يصافحون غيرهم من المسلمين بعد خروجهم من دورات المياه ودون طهارة. مما ينقل الأمراض المعدية. أليس أقل ما يمكن أن نقوم به كمؤمنين هو أن يتبرع بعضنا بعلبة أو زجاجة صابون ولو أسبوعية لكل مسجد. لقد غصت تلك المساجد بالمصلين الذين ما أكثر تبرعهم للغير ولكن لمساجدهم يبخلون بالقليل.
إنني أستغرب هؤلاء البشر الذين يوسخون تلك الدورات وهم يعلمون أنه سيعقبهم قوم مسلمون من إخوانهم. فهل نحب لأنفسنا ما لا نحب لإخواننا. صدق قوله علية الصلاة والسلام "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهل نحن مؤمنون؟
الأسوأ من ذلك إسرافنا في استعمال المياه في تلك الدورات للوضوء أو غيره. بينما كلنا نعلم أن ما نوفره من المياه سيستفيد منه أخونا المسلم بعدنا. فلماذا حب الذات؟ هل نسينا؟
وقد قال تعالي في محكم كتابه "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الأخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين" صدق الله العظيم (التوبة الآية 18). ولكن نرى اليوم أن هناك مفهوم قاصر للآية الكريمة حيث إن الإعمار لم يكن المقصود به بناء المساجد من الناحية الإنشائية، ثم التأكد من وجود ميكرفونات فقط. وإنما إعمارها بجعلها عامرة بالمصلين، وذلك بالاهتمام بها والعناية بصيانتها ونظافة دورات المياه. وعدم الإسراف والتبذير في المياه لتكفي الجميع. وذلك بعكس ما نراه اليوم من عدم الاهتمام بها مما يسيئ للمساجد داخل الأحياء وعدم احترام شخصيتها.
ولماذا لا نوفر من صرف الأموال على الزخرفة داخل المساجد والقباب المشغولة والتي قد تصرف بال المصلين وتشغلهم عن الصلاة. والتوفير الحاصل في بناء المساجد يجب أن يخصص لعملية النظافة والصيانة وخاصة دورات المياه. حيث إن أغلب مرافق المساجد وخاصة دورات المياه تكون دائماً مهملة وتنبعث منها روائح تؤذي المصلين. وهذه ظاهره مشهودة في معظم المساجد، فبعض ضعاف النفوس لا يؤمنون أن النظافة من الإيمان ويتركون المخلفات التي تؤذي الغير ويتركون صنابير المياه والبرادات والأنوار مفتوحة ولا يدركون أهمية حفظ أموال المسجد والمسلمين. وحتى الذين يدركون ذلك لا يتبرعون بساعة واحدة أسبوعياً من وقتهم أو أبنائهم أو مستخدميهم للاعتناء بنظافة هذه المرافق. أو على الأقل التبرع بمبلغ بسيط شهرياً من كل مصل لتنظيف المسجد ومرافقه.
سبق أن كتبت عن هذا الموضوع عدة مرات ومنذ أعوام، وكذلك عن دورات المياه في المدارس والجامعات وخلوها حتى من الصابون وعدم تنظيفها بالمطهرات الصحية، وهي بعد آخر للمصيبة التي تصيبنا من نقل عدوى الأمراض المعدية. وكتبت كثيراَ عن مواضيع تهم المجتمع ولكني لم أر أذنا صاغية. فهل معقول أنهم لم يروا ذلك أو أنهم لم يتخذوا أية إجراء لحل الموضوع وهو حل لا يحتاج إلى سنوات, فإزالة الأذى صدقة.
وإنها دعوة في هذا الشهر الفضيل لإبداء اهتمام أكبر بعملية العناية بالمسجد ونظافة مرافقه سواء داخل المدن أو خارجها. وأن يخصص جزء من تبرعات المسلمين لذلك أو أن يتبرع أهل الحي بساعة من وقت أي منهم أو مستخدميهم لذلك، وألا يبخلوا على المسجد والجيران وعلى أنفسهم بالرقي بمستوى بيت الله ونظافته، وما يتركه ذلك من أثر طيب في المصلين والأجر من الله. كما أرى أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية وهيئات الأمر بالمعروف بدورها في مسؤولية مراقبة نظافة مرافق المساجد وتثقيف وتوعية الناس إلى أهمية ذلك. وإلى تنوير الناس إلى الوقوف بسياراتهم بطريقة منظمة حول المساجد تعكس شخصية المؤمن القوي وتحضره ودون أن يقفلوا الطريق على السيارات التي بها نساء مؤمنات قادمات للصلاة من منازلهن ويفاجئن بالطرق المسدودة بالسيارات المزاحمة للمسجد والطريق وتسد الطريق عليهن. وما الذي يمنع الإنسان من إماطة الأذى عن طريق أخيه المسلم، وأن يقف ولو بعيداً عن المسجد؟ فإن كل خطوة إضافية للمسجد تعد صدقه ورياضة.