Author

القواعد الدولية وأحكام التحكيم الأجنبي

|
من المعلوم أن التحكيم الأجنبي أضحى وسيلة مهمة من وسائل تسوية منازعات التجارة الدولية في العصر الحاضر, وقد تزايد الاهتمام به على المستويين الإقليمي والدولي, وذلك نظراً لما يُحققه من مزايا عديدة أهمها: في سرعة حسم المنازعات بعيداً عن القضاء الوطني؛ والمحافظة على سرية المعاملات التجارية التي تتمتع بخصوصية معينة لدى المتعاملين في حقل التجارة الدولية؛ هذا فضلاً عن قلة التكلفة المادية مقارنة باللجوء إلى القضاء. وقد صدر نظام التحكيم بالمرسوم الملكي رقم (م/46) وتاريخ 12/7/1403هـ الذي وضع قواعد نظامية تسري على التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي على حد سواء, ثم صدرت اللائحة التنفيذية لهذا النظام الموافق عليها بخطاب رئيس مجلس الوزراء رقم 7/2021/م وتاريخ 8/9/1405هـ التي اكتفت, فيما يتعلق بتنفيذ أحكام التحكيم, بالنص في المادة (44) على أنه: "متى صدر الأمر بتنفيذ قرار التحكيم أصبح سنداً تنفيذياً, وعلى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع أن تُسلم المحكوم له الصورة التنفيذية لقرار التحكيم موضحاً فيها الأمر بالتنفيذ مذيلة بالصيغة التنفيذية الآتية: (يطلب من جميع الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا القرار بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة الجبرية عن طريق الشرطة). ونُلاحظ أن هذا النظام ولائحته التنفيذية لم يتضمنا قواعد قانونية تتعلق بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على النحو المتبع لدى الدول المتقدمة, ومن ثم فإن الأمر يتطلب ضرورة وجود قواعد قانونية تسري على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في المملكة, خاصة بعد الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية, حيث إنه من المتوقع أن يزداد الاهتمام بالتحكيم بصفة عامة وبتنفيذ أحكام وقرارات التحكيم الصادرة في منازعات التجارة الدولية بصفة خاصة. ومن أهم العوامل التي تؤيد أهمية وجود قواعد قانونية واضحة ومحددة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية اهتمام السعودية بالاستثمارات الأجنبية وذلك بتهيئة المناخ المناسب لها, وإصدار نظام للاستثمار الأجنبي, وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار كجهاز حكومي يهتم بتشجيع الاستثمارات وتذليل العقبات التي تعترضها, والتوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات الأجنبية مع الدول التي ينتمي إليها المستثمرون الأجانب, حيث تتضمن هذه الاتفاقيات عادة نصوصاً تُحدد كيفية تسوية المنازعات القانونية الناشئة عن الاستثمار الأجنبي في الدولة المضيفة, بالنص على التحكيم كوسيلة لتسويتها. ويترتب على ذلك أنه إذا حدثت منازعة بين المستثمر الأجنبي والدولة فيما يتعلق باستثماراته في المملكة فإنه من المتوقع أن يتم اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي الخاص أو المؤسسي المنظم, سواء تم ذلك على الإقليم السعودي أو على إقليم دولة أجنبية؛ وفي هذه الحالة الأخيرة يتطلب الأمر تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي على الإقليم السعودي. ومن المعلوم أن نظام ديوان المظالم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/11) في عام 1414 هـ ينص على أن من أهم اختصاصات الديوان النظر في تنفيذ الأحكام الأجنبية؛ أي أنه الجهة المختصة بإعطاء الحكم الأجنبي الصيغة التنفيذية. ومع ذلك فإن هذا النص لا يُسعف في تحديد الجهة المختصة بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الأجنبي, نظراً لعدم الإشارة الصريحة في هذا النص إلى أنه يسري على أحكام التحكيم الأجنبية, ومن ثم يُمكن أن تُثار مسألة اختصاص المحاكم الشرعية بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الأجنبي باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل بالفصل في المنازعات كافة, ما يترتب عليه عدم إسناد الاختصاص بأية منازعة لأية جهة أخرى إلا بنص خاص. وعلى ذلك فإن ازدواجية القضاء السعودي, وعدم جود نص واضح في نظام ديوان المظالم يُحدد ما إذا كان الديوان هو المختص بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الأجنبي يُشكل صعوبة قانونية فيما يتعلق بفاعلية التحكيم كوسيلة لتسوية منازعات التجارة الدولية, هذا فضلاً عن أن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يخضع, مثله في ذلك مثل تنفيذ الأحكام الفضائية الأجنبية, لشرط أساسي وجوهري يتمثل في عدم تعارض الحكم الأجنبي مع اعتبارات النظام العام في دولة قاضي التنفيذ, ولمّا كانت اعتبارات النظام العام في المملكة العربية السعودية تقوم على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء, فإن هناك تساؤلا يمكن أن يُثار في هذا الصدد يتعلق بمفهوم النظام العام: هل تختلف اعتبارات النظام العام الداخلي عن اعتبارات النظام العام الدولي؟ بمعنى هل يُقدر القاضي السعودي المختص بإصدار الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الأجنبي اعتبارات النظام العام فيما يتعلق بحكم تحكيم صادر على الإقليم السعودي بالطريقة نفسها التي يقدر بها اعتبارات النظام العام فيما يتعلق بحكم تحكيم صادر خارج الإقليم السعودي أي حكم أجنبي؟ من المعلوم أن القواعد الدولية التي تحكم تنفيذ الأحكام وقرارات التحكيم الأجنبية, وكذلك آراء شراح القانون الدولي الخاص تكاد تتفق على أن مفهوم النظام العام يختلف بشأن علاقة نشأت وأنتجت آثارها في إقليم دولة القاضي, عن مفهوم النظام العام بشأن علاقة قانونية نشأت في الخارج ويُراد الاحتجاج بها في إقليم دولة القاضي؛ حيث إن فكرة النظام العام في الحالة الأخيرة تكون مخففة. ولهذا نتساءل: هل يُمكن إعمال هذه القواعد الدولية في حال طلب تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في السعودية؟ ونحن نرى أن الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية, وفتح المجال للاستثمارات الأجنبية, وإبرام عقود دولية متنوعة تتعلق بالتجارة الدولية تقتضي من القائمين على تنفيذ الأنظمة واللوائح ضرورة الإلمام بالقواعد الدولية ذات الصلة بالتجارة الدولية, وتطبيقها بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
إنشرها