أبناؤنا الطلاب .. لنمنحهم الثقة قبل التعليم

[email protected]

خلال أكثر من خمسة عشر عاما قضيتها في التدريس توصلت إلى أننا لا نزال ندور في حلقة مفرغة، فمن جهة يكثر التنظير حول طرق التدريس الحديثة على طاولات الاجتماعات المغلقة دون تطبيق عملي على أرض الواقع، ومن جهة أخرى، يكثر الحشو في المناهج رغم التطوير المستمر لها من قبل الجهة المعنية، لكن الأهم في اعتقادي أن الجهات المشرفة على التربية والتعليم لدينا لا تزال تركز على الأخير وأقصد التعليم دون التربية التي تسبق التعليم في اسم تلك الجهات.
وزارة التربية والتعليم هو الاسم الرسمي للجهة التي تتولى الإشراف على المدارس والطلاب لكن لا يوجد في الممارسة ما يدل على أنها تهتم بالتربية ذلك الجانب المهم في تكوين شخصية الطالب والتي تحفزه للنجاح بعد التخرج.
طلابنا في المرحلة الابتدائية يستطيعون اليوم وصف جغرافية دول كثيرة وسرد أحداث تاريخية معقدة في حين أن معظم طلاب المملكة المتحدة لا يستطيعون تحديد موقع بلدهم على خريطة العالم، لكن هذا الوضع يتغير مع مرور سنوات الدراسة، فنجد أن طلاب تلك الدول يتفوقون على طلابنا حال تخرجهم والتحاقهم بالعمل، بل يأتون في بعض الأحيان إلى بلادنا كخبراء رغم أنهم لم يمضوا في الوظيفة سوى سنوات قليلة.
لقد ركزنا في التعليم على طريقة الحشو والحفظ بينما ركزت الدول المتقدمة على إطلاق القدرات والمهارات وأعمال التفكير في موضوعات الدراسة وفتح أبواب النقاش والاستماع وربطهم بالواقع المعاش عن طريق التطبيق العملي.
أعود لتجربتي في طلاب المعاهد التجارية والكليات التقنية لأقول إن طلابنا بشكل عام تتوافر لديهم خصائص النجاح فهم أذكياء لماحون يستطيعون فهم الدروس المعقدة لكنهم محبطون من طرق التدريس التي فرضت عليهم لأنها لا تتيح لهم إطلاق مهاراتهم وقدراتهم كما أنها لا تمنحهم الثقة بالنفس التي يحتاجون إليها لاقتحام عالم الوظيفة والنجاح فيه، وهم في الغالب مستمعون بشكل دائم لدروس تقليدية لا تربطهم بالواقع المعاش، وهذا ما يسهم في عدم الاستفادة من العلوم التي يدرسونها في التطبيقات العملية.
هل يمكن لطالب المحاسبة بعد التخرج أن ينجح في المقابلة أو الاختبارات المؤهلة للوظيفة وهو لم يشاهد طيلة دراسته في الجامعة أو الكلية شكل دفتر اليومية أو الدفاتر المساعدة ولم يكتب فيها قيدا واحداً ؟ هل يمكن لمثل هذا الطالب أن ينجح في حياته الوظيفية وهو لا يستطيع أن يطبق ما تعلمه في قاعات المحاضرات على أرض الواقع؟ نعم هو اكتسب مهارات علمية جيدة لكنه لايستطيع تطبيقها وهذا هو مربط الفرس، فالتدريب التعاوني الذي طبقته بعض الجهات لا يمكن الطالب من تطبيق ما درسه فهو في أحسن الظروف سيطبق مهمة واحدة أو اثنتين ولن تتاح له تطبيق كامل المهارات التي تعلمها.
وقد يسأل سائل: ما الحل؟ الحل يكمن في أن تكون في جميع كلياتنا وجامعاتنا فصول تطبيقية، ففي علم المحاسبة على سبيل المثال تكون هناك شركات وهمية فيها مدير عام ومدير مالية ورئيس قسم الحسابات العامة ورئيس لقسم الرواتب والمصروفات ورئيس لقسم الإيرادات وأمين صندوق ودفاتر محاسبية حقيقية وفواتير ودورة عمل كاملة وعملاء، فمن خلال هذا النموذج يستطيع الطالب ممارسة جميع الوظائف المحاسبية ويستطيع أيضا أن يقف أمام من يقابله للوظيفة بعد التخرج وهو مرفوع الرأس مملوء بالثقة بالنفس معتزا بما يحمله من علم.
الطالب بشكل عام يحتاج إلى من يمنحه الثقة ويشجعه ويحبب المادة إلى نفسه ويربطه بالواقع عن طريق الأمثلة الحقيقية من الواقع المعاش ودون تلك العناصر ربما يتخرج لكنه سيكون عالة على نفسه ووطنه، لأنه لم يتزود أثناء دراسته بالوقود الذي يساعده على اقتحام مجالات العمل المختلفة والنجاح فيها.
لا زلت اتواصل مع كثير من طلابي بعد التخرج ووجدتهم من أنجح الناس في حياتهم الوظيفية بل إن بعضهم وصل إلى مراتب متقدمة في الوظيفة وأعتقد أن السر يكمن في كلمة الثقة بالنفس التي لا يستطيع نظامنا التعليمي منحها لكثير من زملائهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي