الاقتصاد السياسي لأمريكا

[email protected]

نبعث لكم هذا المقال من ولاية فرجينيا الأمريكية على خلفية مشاركتنا في فعاليات (منتدى مستقبل الديمقراطية). وجاء انعقاد المنتدى تخليدا لذكرى مرور 400 عام على تأسيس أول مستوطنة إنجليزية في عام 1607 في مدينة (جيمس تاون) والتي منها انطلقت حرب الاستقلال بقيادة الابن البار لولاية فرجينيا (جورج واشنطن) والذي ما لبث أن أصبح أول رئيس للجمهورية.
فعلى مدى ثلاثة أيام ناقش عشرات الخبراء بينهم ساسة تأثير بعض المتغيرات على مستقبل الديمقراطية. وتضم هذه التحديات أمور مثل الإرهاب والأمن وحقوق الأقليات وتطورات الأوضاع في الأسواق العالمية مثل الهزات المتكررة في أسواق المال وآخرها أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. كما أخذ النفط نصيبه من المناقشات في ضوء ارتفاع أسعار الذهب الأسود وبقائها مرتفعة.

ضبط المالية العامة
وكان لافتا ما قاله أحد المحاضرين أن سر نجاح بريطانيا (الدولة الصغيرة القابعة في الشمال الغربي من أوروبا) في السيطرة على العالم على مدى عقود في فترة تاريخية يعود إلى ضبط المالية العامة للدولة فضلا عن وجود جيش نظامي مدرب. وتبين أن بريطانيا كانت تفرض ضرائب على الواردات وليس على الرعايا والأهم من ذلك كانت تتمتع بالصرامة في ضبط المصروفات. وأشار أساتذة التاريخ والذين حاضروا في المنتدى إلى أن الولايات المتحدة جعلت التجربة البريطانية نصب عينيها وهي تعمل على بسط نفوذها في العالم.
القاضية المتعاقدة من المحكمة العليا (ساندرا دي أوكونور) ألقت الكلمة الرئيسية في افتتاح المنتدى. وقد أكدت الرئيسة الفخرية للمنتدى أهمية حكم القانون فضلا عن القضاء المستقل في النظام الديمقراطي. واستشهدت القاضية بكلام للكاتب والفيلسوف الأيرلندي (جون برنارد شو) الذي قال إن الشعوب عادة تحصل على الحكومات التي تستحقها. ويذكرنا هذا الكلام بالحديث النبوي الشريف (كما تكونوا يولى عليكم).

للصبر حدود
وكان وزير الدفاع الأمريكي (روبرت غيتش) من بين الشخصيات التي شاركت بكلمات في المنتدى. ففي كلمة له بعنوان (الواقعية والمثالية) في السياسة الأمريكية أشار (غيتش) إلى أهمية متغير الصبر في ترسيخ القيم الديمقراطية. ورأى أن الشعب الأمريكي غير صبور ويرغب في رؤية نتائج سريعة. وبدا أن وزير الدفاع كان يشير إلى الأوضاع في العراق والتي تعاني من انفلات أمني على خلفية الغزو الأمريكي في عام 2003 وفشلها في تأسيس ديمقراطية سلمية في بلاد الرافدين.
للأسف الشديد لم يأخذ المشهد السياسي في العراق حقه الطبيعي في المنتدى على الرغم من أن القضية برمتها تمثل شاهدا حيا على خطأ استخدام الخيار العسكري في حل المشكلات الدولية. بدورنا شددنا في مداخلتنا إلى خطأ اللجوء للخيار العسكري في حل المعضلات. فقد كشفت التجربة العراقية سهولة تحقيق نصر عسكري مقابل الفشل في تحقيق السلام. كما دعونا الولايات المتحدة إلى أن تكون مثالا للعالم في معالجة المعضلات بالطرق السياسية وإبعاد الخيار العسكري جملة وتفصيلا.

كل الحب للنفط
وصادف وجودنا في الولايات المتحدة صدور كتاب (ألن جرينسبن) الرئيس السابق لبنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي (أو البنك المركزي المسؤول عن السياسات النقدية). وقد أثار الكتاب, الذي حمل مذكرات (جرينسبن) الذي تقاعد في كانون الثاني (يناير) من عام 2006 بعد أن بقي في منصبه مدة 18 عاما, ردود فعل متباينة في الولايات المتحدة. من بين الأمور زعم الرئيس السابق لبنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي إلى أن النفط كان السبب الرئيسي للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003. ورأى (جرينسبن) أن إدارة الرئيس جورج بوش كانت تنظر للنظام العراقي السابق على أنه خطر على الإمدادات النفطية.
بدوره رفض وزير الدفاع الأمريكي ما جاء في الكتاب أن النفط كان السبب الرئيسي للغزو. بالمقابل زعم (جيتس) أن التدخل الأمريكي في العراق يعود لأسباب جوهرية وفي مقدمتها الأمن في منطقة الخليج فضلا عن مواجهة الأنظمة الدكتاتورية العداونية والتي كانت تعمل لتطوير أسلحة فتاكة.

معدلات الفائدة
وصادف وجودنا في الولايات المتحدة اتخاذ بنك الاحتياط قرار تقليص معدل الفائدة للمدى القصير بين المصارف من 5.25 في المائة إلى 4.75 في المائة. وعكس قرار البنك المركزي الرغبة في تحاشي حدوث تراجع في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة على خلفية أزمة الرهن العقاري التي ظهرت على السطح أثناء فصل الصيف. ويعني التطور فيما يعني استعداد البنك المركزي لتوفير خطوط ائتمان للمصارف الأمريكية بنسبة فائدة أقل من الماضي. وهذا بدوره يعني أن بمقدور البنوك توفير الأموال بتكلفة أقل للجمهور. كما تكشف هذه الخطوة ارتياح بنك الاحتياط الفدرالي من وضع التضخم في الولايات المتحدة وعدم تخوفه من حدوث ارتفعا خطير في الأسعار.
الشيء المؤكد لا تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي خيار عدم اتخاذ خطوات مماثلة نظرا لارتباط العملات (باستثناء الدينار الكويتي) بالدولار الأمريكي. بيد أنه يخشى أن تؤدي خطوة تقليص معدل الفائدة إلى تعقيد مشكلة التضخم في دول المنطقة التي تعاني أصلا من مشكلة ارتفاع الأسعار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي