الفشل المزدوج لأيمن الظواهري في مصر
drashwan59@yahoo .com
قبل وقوع هجمات 11 من أيلول (سبتمبر) 2001 لم يكن اسم الطبيب المصري أيمن الظواهري يعني شيئاً كثيراً لمعظم المصريين ولنسبة كبيرة من الإعلاميين والباحثين في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية. ولم تكن فقط المعرفة بالظواهري محدودة في هذه الأوساط، بل إن الرجل لم يكن له بداخل أوساط الجماعات والتنظيمات الجهادية التي عرفتها مصر منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، مكانة متميزة ولا تأثيرات جوهرية يمكن رصدها على مسار وتطور هذه الجماعات والتنظيمات. وقد بدأ اسم الظواهري في البروز في وسائل الإعلام بدءاً من عام 1996، حيث أشيع أنه موجود في سويسرا وقبلها في الولايات المتحدة، وترافق ذلك مع قيام التنظيم الذي كان يقوده حينذاك، وهو جماعة الجهاد، بتفجير السفارة المصرية في العاصمة الباكستانية مما دمرها تماماً. وفي خلال السنوات التي تلت تفجيرات أيلول (سبتمبر) 2001 صار الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الشهير، الأكثر شهرة على مستوى العالم بعد زعيمه وأميره أسامة بن لادن، وهو ما انعكس على مصر التي بات اسم الظواهري فيها معروفاً في جميع أوساط الجماهير والنخبة على حد سواء.
وعلى الرغم من كل الأفكار والمهام ذات الطابع الدولي التي راح الظواهري باعتباره نائب زعيم أكبر وأهم التنظيمات الجهادية العالمية يطرحها في مختلف كلماته وخطاباته ورسائله التي تسارعت معدلاتها في الأعوام الثلاثة الأخيرة، فقد بدا واضحاً فيها أن مصر – بلده الأصلي – لا تزال تهيمن عليه وتسيطر على معظم ما يقول ويفعل. فمنذ أن خرج الظواهري من مصر عام 1986 وهو عضو في قيادة جماعة الجهاد، وبعد أن أصبح أميراً للجماعة عام 1994 ثم نائباً لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2001، لم يغب عنه الهاجس المصري وحلم العودة لبلده فاتحاً منتصراً. ومصر بالنسبة للظواهري هي البلد الذي ولد فيه عام 1951، وشكل فيه مع مجموعة من أقرب أصدقائه في ضاحية المعادي في القاهرة نحو عام 1968 أولى الخلايا الجهادية في هذا البلد، ثم سجن فيه ضمن قضية الجهاد الكبرى عقب اغتيال الرئيس أنور السادات في تشرين الأول (أكتوبر) 1981، حيث حكم عليه بثلاث سنوات خرج بعدها عام 1984 ليقضي فيها عامين آخرين وليغادرها بعد ذلك حتى اليوم متجولاً بين بلدان عديدة منها السودان وباكستان وأفغانستان التي من المرجح أنه بها حتى اليوم. مصر بالنسبة للظواهري الإسلامي الجهادي الذي قضى من سنوات عمره نحو أربعين عاماً يحاول أن يحقق انتصاراً ولو صغيراً على من يعتقد أنهم رموز الكفر والردة والجاهلية فيها، هي البلد الذي فشلت فيه كل مشروعاته الجهادية طوال العشرين عاماً الأولى من مسيرته الجهادية أثناء وجوده فيه، وهي أيضاً البلد الذي فشلت كل محاولاته الجهادية لاختراقه خلال الأعوام العشرين الثانية من تلك المسيرة.
وإذا كان فشل العقدين الأولين من مسيرة الظواهري قد توج بمغادرته مصر حيث التحق برفاقه وإخوته الفارين من مختلف بلدان العالم إلى أفغانستان مرة ثم إلى السودان مرة ثم إلى أفغانستان مرة أخرى وأخيرة، فقد تتابع الفشل ليصل إلى ذروته بالقبض على مئات من أعضاء الجناح العسكري لتنظيمه عام 1994، حيث تولى الظواهري إمارته بعد ذلك، وليصدر مضطراً قراراً بالوقف الاضطراري لعملياته العسكرية في مصر. أما فشل العقدين الأخيرين من مسيرة الظواهري وخاصة السنوات التسع الأخيرة منذ انضمامه إلى أسامة بن لادن عام 1998 وتشكيلهما "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي قام عليها بعد ذلك تنظيم القاعدة، فقد مثله إخفاق هذا التنظيم الذي أصبح فكرة ونموذجاً يخترقان معظم دول العالم في أن يجد له موضع قدم في البلد الذي ظل الظواهري يحلم بالعودة إليه غازياً منتصراً. فعلى خلاف كل تلك الدول التي ظهرت فيها القاعدة تنظيماً أو فرعاً أو نموذجاً أو فكرة، لم تشهد مصر طوال السنوات الست الماضية التي اشتعل فيها العالم بالإرهاب والحرب عليه أي تجسيد عملي جدي لدعوات زعيم القاعدة ونائبه المصري لتحريض الشباب المسلم على قتال "العدوين القريب والبعيد" في الوقت نفسه، عدا استثناءات صغيرة من أفراد أو مجموعات هزيلة لا تتناسب مع الوزن السكاني والاستراتيجي لمصر ولا ترقى إلى أحلام الظواهري الطموحة باختراقها.
ويبدو أن إحساس الظواهري العميق بهذا الفشل الأعمق المزدوج له في بلده هو الذي دفع به واعياً أو غير واع إلى أن تكون مصر وما يجري بها من شؤون، بما فيها الهامشي والصغير، حاضرة في الغالبية الساحقة من الخطابات والكلمات التي صار يلقيها بصورة منتظمة عبر شبكة الإنترنت. وليس ذلك فقط، فقد راح الظواهري في خطبه الأخيرة يتحدث عن وجود متخيل لفكرته ونموذجه القاعدة في أرض الكنانة يتهيأ لتنفيذ مشروعه الجهادي دون أن يقدم دليلاً واحداً على ما يقول أو أن تؤكد التطورات الواقعية صحة هذا الادعاء. لقد حلت مصر "المتخيلة" تدريجياً محل مصر "الحقيقية" في ذهن وخطاب أيمن الظواهري، وهي عملية قد تحتاج في تحليلها إلى بعض مناهج علوم النفس أكثر من مناهج علوم السياسة.