لا لتخصيص "أرامكو"

[email protected]

هناك مسوغات قوية لتخصيص شركات النفط الخليجية أو جزء منها، الأمر الذي حدا ببعض الكتاب إلى الدعوة لتخصيص جزء من "أرامكو السعودية"، أو تحويل بعض عملياتها إلى شركات مستقلة يتم تداول أسهمها في الأسواق الخليجية. هناك دلائل قوية من أنحاء العالم كافة على أن التخصيص يسهم في زيادة الإنتاجية والربحية ويعزز من تنافسية الشركات المخصصة. إلا أن التجارب تشير أيضاً إلى أن التخصيص يجب ألا يتم في سبيل التخصيص فقط، وألا يتم بهدف توسيع سوق الأسهم. ورغم محاسن التخصيص إلا أن كون شركات النفط الخليجية مصدر الدخل في هذه البلاد، وكون عملياتها تطول أغلب دول العالم، ولها استثمارات في شتى بقاع الأرض، فإنه من الأفضل إبقاؤها تحت السيطرة الحكومية الكاملة بسبب التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة والتي تتضمن موافقة مجلس الشيوخ والكونجرس على محاكمة "أوبك".

مسوغات عدم التخصيص
تابعت كبار الدول المنتجة للنفط تطورات تبني الكونجرس ومجلس الشيوخ قانون محاكمة "أوبك" بترقب وحذر لأنها تعلم أن لهذه القوانين، رغم اقتناعها بصعوبة تطبيقها، انعكاسات سلبية على الدول المنتجة. فضلت هذه الدول التزام الهدوء والصمت حتى تسهل على الرئيس الأمريكي جورج بوش استخدام حق الفيتو ونقض هذه القوانين، حيث إن إثارة الضجة من قبل الدول النفطية، خاصة العربية منها، سيظهر وكأن الرئيس بوش قد خضع للضغوط العربية. لكن الدول النفطية تغاضت عن أمرين مهمين الأول أن أحد أعمدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العقدين الأخيرين هو "تجميع القوانين" سواء القوانين المحلية أو قرارات الأمم المتحدة. فهناك أدلة عديدة توضح أن الولايات المتحدة استثمرت أوقاتاًً ثمينة وأموالاً هائلة في تمرير قوانين محلية أو قرارات من مجلس الأمن لا تأثير لها في أرض الواقع، ولكن تراكم القوانين والقرارات مع الزمن هيأ أرضية خصبة لاتخاذ قرارات غيرت مجرى التاريخ، منها القرارات الخاصة بالعراق وإيران والسودان وسورية ولبنان، إضافة إلى قوانين محاربة الإرهاب.
الأمر الثاني هو أن الراغبين في محاكمة "أوبك" يتعلمون مع الزمن من فشلهم في تمرير هذه القرارات، الأمر الذي سيؤدي إلى قرارات قد يتم تمريرها في المستقبل بسهولة. ودليل ذلك أنه بعد تأكيد إدارة بوش أنها ستمارس حق الفيتو لرفض قانون محاكمة "أوبك" لأسباب قانونية وسياسية واقتصادية، بدأ البعض البحث عن سبل أخرى منها محاكمة شركات نفط دول "أوبك" كونها تحمل شخصية اعتبارية مستقلة عن الدولة، ولكنها مملوكة من الدول نفسها.
القانون الدولي والقانون الأمريكي يعطيان الدول "حصانة" من القضاء فيما يتعلق بكيفية إدارتها لمواردها الطبيعية، الأمر الذي أكدته المحاكم الأمريكية أكثر من مرة عندما اشتكى البعض على "أوبك". تعلّم أعداء "أوبك" من هذه الحالات، لذلك فإن الاتجاه المستقبلي هو محاكمة شركات النفط في دول "أوبك" لأنها تحمل صفة "تجارية" بدلاً من الصفة "الحكومية". مشكلتهم في هذه الحالة هي أن القضاء الأمريكي يعمم مفهوم "الحصانة" ليشمل الشركات الحكومية حتى لو كانت ذات شخصية اعتبارية مستقلة لأن الحكومة تتحكم في الإنتاج والأسعار، لأسباب غير تجارية، بالطرق التالية:
فرض ضرائب عالية على هذه الشركات، والتي تمثل أغلب دخل هذه الحكومات، وهذا أمر يمس القطاع العام وليس الخاص.
فرض سقف للإنتاج لأسباب بيئية أو اقتصادية، وهذا أيضاً أمر متعلق بالقطاع العام.
بناء على ما سبق فإنه لا يمكن محاكمة شركات النفط التابعة لحكومات "أوبك" بتهمة الاحتكار بحجة أنها تحمل الطابع التجاري لأنها تخضع لأوامر الحكومة في الإنتاج والتسعير. ولكن تحولها إلى شركات خاصة سينفي عنها هذه الصبغة وقد يخضعها لقوانين محاربة الاحتكار الأمريكية.
قد يقول البعض إن تخصيص جزء من أسهم شركات النفط الخليجية لن يغير من الأمر شيئاً، لأن هناك أدلة تاريخية على رفض المحاكم الأمريكية محاكمة بعض الشركات الأوروبية بحجة "الحصانة" لأن الدولة الأوروبية تملك 35 في المائة من الشركة. هذا صحيح، ولكنه حصل في الماضي البعيد والأمور تغيرت كثيراً الآن، الأمر الذي يشير إلى أن تخصيص شركات النفط الخليجية جزئياً أو كلياً سيعرضها لخطر مصادرة أموالها في الولايات المتحدة.

الخلاصة
تدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً بسبب التضارب بين السياسات الخارجية وسياسات الطاقة من جهة، وتضارب القرارات والقوانين ضمن كل سياسة من جهة أخرى. فبعض الأمريكيين، وتدعمهم في ذلك وكالة الطاقة الدولية، يعتقدون أن أحد أسباب استمرار أسعار النفط في الارتفاع هو زيادة حدة "الوطنية" في الدول النفطية والتي تمنع شركات القطاع الخاص، ممثلة في شركات النفط الأجنبية, من السيطرة على احتياطيات النفط والغاز. إلا أن ما قام به الكونجرس ومجلس الشيوخ أخيرا في ضوء القوانين الحالية، بالإضافة إلى أمور أخرى، يوضح تماماً لماذا تضطر هذه الدول إلى عدم المضي قدماً في تخصيص شركاتها النفطية. إن تخصيص شركات النفط الوطنية يعني خضوع الشركات الجديدة الخاصة للقوانين الأمريكية، والتي قد تعاقبها وتصادر أموالها! وإذا كانت هناك علاقة بين سيطرة الشركات الوطنية على الاحتياطيات والأسعار، فإنه من المنطقي أن يستنتج الشخص أن القوانين الأمريكية أسهمت في ارتفاع أسعار النفط لأنها تسهم في الرغبة في عدم تخصيص شركات النفط الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي