الحرب الاقتصادية بين أمريكا والتنظيمات الإسلامية
في ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) سنة 2001 يتوقف المحللون لمناقشة الجانب الاقتصادي في المعركة المستعرة والدائرة بين الولايات المتحدة وعدد من المنظمات الإسلامية التي تناصب واشنطن العداء.
وينبغي ألا ننسى أن الضربة التي وجهتها الطائرات المدنية إلى أمريكا كانت موجهة إلى أمريكا العسكرية ممثلة في وزارة الحرب لديها (البنتاجون)، وأمريكا السياسية ممثلة في البيت الأبيض، وأمريكا الاقتصادية مجسدة في برجي التجارة في نيويورك، وقد نجحت الضربة الثالثة تماما أما الأولى فقد نجحت جزئيا بينما فشلت الضربة ضد البيت الأبيض.
ولم ينكر أحد أن الضربة التي تلقتها الأبراج كانت تعكس رغبة في ضرب الهيمنة الاقتصادية الأمريكية التي تتمثل في تملك واشنطن موارد طبيعية هائلة, وما لا تمتلكه تحصل عليه بقوتها وتخويفها الدول التي تمتلكه. وينسى الكثيرون أن تكساس ولويزيانا وكاليفورنيا فيها نصف إنتاج العالم من النفط ولكن شتان بين الحصول على نفط لتسيير العجلة الاقتصادية وتملكه بالكامل لتوزيعه حسب رغبتها وبالسعر الذي تريده وللدولة التي تريدها، وهو ما أوجد حالة الجشع النفطي المهولة لدى الولايات المتحدة.
انطلقت أمريكا لمحاربة المنظمات الإسلامية بكل ضراوة, واختلط الحابل بالنابل فاعتبرت أي مسجد يتلقى تبرعات خلية إرهابية، وصادرت الملايين وخصصت العديد من الأجهزة لمراقبة حركة الأموال وتدفقها, وأدى ذلك إلى استيلائها على الملايين بحجة الذئب ضد الجمل, أي أن المصادرة ستطبق في الأحوال كافة, ومارست حملة لإرهاب كل من يتبرع لهدف إسلامي باعتبار أن أي دولار هو ثمن طلقات ستوجه إليها. وأوقفت أنشطة عديدة اجتماعية وتعليمية وصحية, وطبقت قانون من أين جاء هذا؟ وأين سينفق أموال المسلمين؟ ورغم أن المجتمع الأمريكي يعتمد على أموال البر والإحسان فيما يسمونه أموال الـ welfare (حصيلة تبرعات الأفراد والهيئات) لإنشاء الجامعات ومنح المساعدات وبناء المستشفيات والملاجئ وهي تعفي صاحبها من الضرائب وقامت بدور أساسي في تقدم أمريكا إلا أنها حرّمت كل ذلك على رعاياها من المسلمين, بل انتقلت فيما وراء الحدود لمحاسبة دول مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر وغيرها عن تدفق أموال المنظمات غير الحكومية بجميع أشكالها, ووضعت قوائم ولوائح بيضاء وسوداء أدرجت فيها أسماء أشخاص ومؤسسات اتهمتها بالتبرع للإسلاميين, وصاحب ذلك كله حملة دعائية لا تخلو من العنصرية ضد المسلمين بحيث تحولهم إلى رموز للشر في أي بقعة يرتادونها وأي دولة يعيشون فيها. ويلمس المسلمون الأبرياء ذلك في العديد من الدول الأوروبية وبعض دول أمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا وكل أتباع الأمريكيين, وفي منتدى دافوس الذي يجمع كبار الشخصيات العاملة في مجال الاقتصاد لم يستح مندوب الولايات المتحدة من الحديث عن دعم بعض الدول الإسلامية للمساجد والجامعات والتعليم غير العربي، وجاءه الرد من مسؤول مسلم بأن ما ينفق على الدعوة الإسلامية لا يتجاوز 800 مليون دولار سنويا مقارنة بـ 33 مليار دولار هي ما ينفق على بعثات التنصير المسماة بالتبشير, ولا يوجد خط كنسي غربي لا يحصل على التبرعات الشخصية لينطلق هؤلاء في إفريقيا لتغيير دين المسلمين في غرب إفريقيا, ولديهم التوجيه بإعادة الكفار In fidels إلى الراعي المسيحي للدخول في القطيع، وأبرز هؤلاء الكفار هم المسلمون ثم الوثنيون, ويتلقى الطفل الأإفريقي القمصان والشيكولاته ويشاهد السينما في الكنيسة ويحصل على مصروفات المدرسة وثيابها ويقولون له لقد أرسلها لك المسيح عليه السلام وإذا تعرض أحد لهؤلاء ثارت ثورة الغرب الذي يدعي العلمانية ويحض عليها في ديار الإسلام, ولكنه يشجع البعثات التنصيرية وما علينا إلا التعرف على عدد المدارس الفرنسية والإنجليزية والألمانية المدعومة من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وجميع دول العالم النامي.
إن التحليل العادل واجب على الكاتب إزاء القارئ لذلك نتوقف قليلا أمام ادعاءات الولايات المتحدة حول الحرب الاقتصادية التي يرى أنها تتعرض لها من المنظمات الإسلامية التي لخصتها الولايات المتحدة في تنظيم القاعدة عملا بالقاعدة الإعلامية الخاصة القائلة بتجسيد الشر في طرف ثم تكثيف الهجوم عليه. فيقول أبواق واشنطن من إسرائيل والولايات المتحدة ما يلي:
أولا: إن الجهاد الإسلامي في صورته الحديثة هو العمل على تقويض الاقتصاد الأمريكي وبالتالي إفقار الأمريكيين وتحقيق انهيار الغرب.
ثانيا: هناك مواقع إسلامية تقول إن السبيل الأصوب لجعل الولايات المتحدة تلحق بالاتحاد السوفياتي على منحدر الانهيار هو ضرب القاعدة الرئيسية التي تقوم عليها القوة العلمية والتكنولوجية والمالية والعسكرية، وذلك بإضعاف الاقتصاد عماد هذه القاعدة لأن ذلك هو الذي أودى بالاتحاد السوفياتي رغم قوته العسكرية واتساع إمبراطوريته.
ثالثا: حض العناصر الحركية في المنظمات الإسلامية على اختيار الأهداف الاقتصادية، فإغلاق بئر للنفط خير في رأيهم من قتل ألف من "الكفار".
رابعا: إن هناك التحريض المستمر بفتح جبهات اقتصادية متعددة لأن رجال الاقتصاد هم المتحكمون في القرار الأمريكي, فإذا توجعوا سيقدمون التنازلات.
خامسا: إن القاعدة عملت على إعادة العمل بقاعدة الذهب في المجال الاقتصادي, مما يعني إنهاء قوة الدولار بل انحطاطه ثم انهياره، ورغم أن القاعدة, كما تقول المصادر الصحافية الأمريكية والإسرائيلية جندت الخبراء لعمل الدراسات لتحقيق ذلك وتعويض النظرية اليهودية بأنه لا أهمية لجعل المعادن الثمينة للعملات بل اللجوء إلى إجمالي الناتج القومي لتحديد قيمة العملة، ولو تم تطبيق قاعدة الذهب فإن أيام القوة الأمريكية ستصبح معدودة, لأن المستثمرين الصيني والياباني سيفقدان الثقة بالاقتصاد الأمريكي وينسحبان من السوق الأمريكي الكبير.
سادسا: إسقاط أمريكا اقتصاديا سيفتح المجال أمام قوى جديدة للصعود وأخذ دورها، ومن هذه القوى الهند والصين. وتقول الصحف الأمريكية إن الإسلاميين يعتقدون أن هؤلاء أكثر تعاطفا مع المسلمين نظرا لطول تورط الولايات المتحدة مع عدو المسلمين الأول وهو إسرائيل, وتبنيها علنا بصورة لم يعد فيها أدنى موارية.
سابعا: تقول المواقع الأمريكية إن الإسلاميين يستهدفون آبار النفط في الشرق الأوسط وخارجه لإحداث مجاعة نفطية لدى الغرب. وقد شهد كويتي عائد من جوانتانامو قبض عليه في الكويت بأنه وجماعته استهدفوا المنشآت النفطية في الكويت.
ثامنا: تردد الوسائل الإعلامية نفسها والمواقع أن ضرب المؤسسات المالية الغربية والبيئية الأساسية للاقتصاد خاصة في الولايات المتحدة من خلال "الإرهاب الإلكتروني" واقتحام أجهزة الحاسب الإلكتروني والتغلفل في شبكاتها واستهداف المواقع الاقتصادية الأمريكية خاصة تلك المرتبطة بالأسواق المالية والبنك المركزي وشركات التقنية المتقدمة وشركات النفط لأن انهيار الغرب بأكمله وخاصة الولايات المتحدة ومرتهن بانهيار الأسواق المالية التي تعتمد اعتمادا كاملا على الاتصالات الإلكترونية لممارسة نشاطها وتحويل الأسهم والأصول.
تاسعا: تخفيض الدولار كهدف للمنظمات الإسلامية. وتقول المواقع الأمريكية إن مواقع بعض الإسلاميين تطالب بسحق الدولار وتناشد المسلمين مقاطعة هذه العملة عقابا للعدو الذي يحارب ديننا ويقتل أطفالنا وينتهك شرفنا ويسرق ثروتنا ويسب نبينا. وتنصح الحملة بالتحول إلى اليورو وأن يقوم كل مسلم بنصيحة من حوله للخروج من الدولار والتحول إلى الين أو اليورو، وإذا نجحت هذه الحملة فإن الخسائر الأمريكية باضطرارها لتخفيض الدولار ستكون فادحة لأن المستثمرين سيبيعون الدولار لتخفيف خسائرهم وسوف تتجنب المؤسسات التعامل بالدولار، وتحول الحكومات أرصدتها إلى اليورو، وستفقد أمريكا الثقة في اقتصادها.
عاشرا: ضرب السياحة محليا وعالميا لإيقاف حركة تدفق الدولار في هذا القطاع المهم وقد عانت مصر كما ذكرت المواقع الأمريكية من أكثر من ثلاثين هجوما وكذلك إندونيسيا إلى جانب حوادث القطارات في إسبانيا وإنجلترا.
على الجانب الآخر يردد الإسلاميون أن الأمريكيين لا يتوجعون إلا من الخسارة الاقتصادية ولذلك هناك حملات مناشدة لمقاطعة البضائع الأمريكية التي تشترى بالدولار لأن ذلك سيضعف الدولار ويقلل أرباح المؤسسات التجارية الأمريكية التي تدعم الجهد الحربي ضد المسلمين في العراق وأفغانستان، وتكسب الولايات المتحدة مزيدا من القوة مما يجعل سطوتها على حكام الدول الإسلامية أكبر وأقوى, مع أن هزيمتها بيد الشعوب من خلال ممارسة الحرب الاقتصادية, فهي وحدها الكفيلة بتقليم مخالب أمريكا وخلع أنيابها.