أرضُك بصك أم بصكين
يفيد رئيس اللجنة العقارية في إحدى الغرف التجارية في تصريح صحافي نشر يوم أمس في إحدى الصحف بأن عدد الأراضي المزدوجة الملكية أكثر من عشرة آلاف قطعة أرض تقدر أسعارها بـ 200 مليون ريال، كما يفيد أن هناك أراضي مملوكة لأكثر من ثلاثة أشخاص وبصكوك وأرقام وتواريخ مغايرة وجميعها مستخرجة من قبل إدارة الأمانة.
كما نشرت إحدى الصحف أخيرا خبراً يفيد بالتحقيق مع موظفين في إحدى الأمانات متسببين في ازدواجية ملكية الأراضي، وقد أكد أحد المحامين أن هذه القضايا قديمة ومنذ أكثر من 20 عاماً، إلاّ أنها بدأت تتزايد في الآونة الأخيرة وأصبحت ظاهرة يشكو منها كثير من المواطنين الذين يفاجأون بخروج عدد ممن يدعون امتلاكهم لعقاراتهم بصكوك وأرقام معتمدة أخرى من قبل الأمانة، موضحاً أن بعض هذه الصكوك معتمدة من كتابة عدل أيضاً.
هذه قضية مهمة يجب على الأجهزة الرقابية أن تضع حداً لها، فقد بدأت فعلاً بالانتشار مما قد يسهم في التأثير في حركة الاستثمار العقاري في المملكة، وأيضاً يكون لها آثار أمنية ، فاليوم أصبح هاجس ازدواجية الصكوك هو الهاجس المسيطر على الوضع العقاري فلا تأمن أن تعرض عليك أرض لشرائها، وما إن توقع عقد الشراء وتدفع المال وتمتلك الأرض وتبدأ برسم المخطط لمنزل المستقبل إلا وتفاجأ بطلب من الأمانة يرفض منحك تصريح البناء، حيث إن الأرض يوجد عليها خلاف وهناك صكوك مزدوجة، بل قد يحدث ما هو أسوأ من ذلك، إذ قد تقوم بتشييد المنزل وتسكن فيه ثم يأتي أمر من الشرطة بالخروج من المنزل لإزالته بحجة بنائه على أرض غير مملوكة.
ومع انتشار هذه الظاهرة أصبحت قضايا ازدواجية صكوك الأراضي إحدى أكثر القضايا ترددا على المحاكم، فتجد هناك مواطنين يمتلكون أراضي بلا صكوك أو أوراق رسمية، وفي المقابل هناك آخرون يمتلكون صكوكا ولا يوجد لديهم إمكانية لتطبيقها وبين الطرفين تدور رحى معارك تشهد عليها جنبات المحاكم، إن لم تقع اشتباكات تسيل من أجلها الدماء أو قد تزهق في سبيلها الأرواح.
ويتكرر السؤال: مَن المسؤول عن هذه القضايا هل هو المشتري أم البائع أم الأمانة أم كتابة عدل أم القضاة أم المحاكم، فكم من شاب وضع رأسماله في أرض اكتشف بعدها أنها مملوكة لآخرين؟ وكم من مستثمر بعد أن قام بتشييد مبان ومرافق بملايين الريالات جاءه مَن يقول له إن أرضك ليست لك بل هي مملوكة لآخر؟ وكم من رجل أعمال اشترى أرضاً وفوجئ أن مساحة أرضه أقل من المساحة الموجودة في الصك بسبب خطأ ارتكبه المقاول المسؤول عن تخطيط الطرق؟ وكم من أفراد امتلكوا أرضا قاموا بإحيائها وبنوا عليها منازلهم وقامت الجهات الحكومية بتزويدها بالماء والكهرباء والهاتف وفوجئ بعد ذلك بأن هذه الأرض قدمت منحة لآخرين؟ وكم من صاحب منحة انتظر منحته عدة سنوات وبعد تسلمها لم تكتمل فرحته فجاءه مَن يقول له إن منحتك لا تخصك بل هي ملكي بموجب صك لدي.
يبقى المواطن حائراً أمام مثل هذه القضية ويتردد في ذهنه السؤال: كيف يمكن لي أن أقوم بتشييد منزل لي وأضع فيه تحويشة عمري على أرض غير مضمونة؟ وكيف أطمئن ألا يأتي آخرون بصكوك أخرى ويقولون لي إن هذه ليست أرضك وإنه يجب عليك أن ترجع إلى مَن باعك إياها وتأخذ منه فلوسك، وعلى الرغم من حرص البعض بالتوجه إلى كتابة عدل للتأكد من ملكية الأرض، إلاّ أن عدم الإفصاح بحجة سرية المعلومات يقف حجر عثرة أمام المشترين.
إن ما وضع من قوانين في هذا الشأن مثل نظام التثمين العقاري ونظام التسجيل العيني والتأجير التمويلي وغيرها من الأنظمة لم توفر للسوق العقارية المصداقية المطلوبة حتى الآن، وأرى ضرورة وجود هيئة عليا خاصة بالنشاط العقاري لحفظ الحقوق وإعادة الثقة للسوق العقارية والمحافظة عليها من عبث العابثين وحسد الحاسدين وجشع بعض التجار الظالمين.