حملة العناية بالمساجد هي الأهم

المساجد هي بيوت الله ـ عز وجل ـ وقد أضافها الله إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، فقال: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً"، وهي أحب البقاع إليه، فقد صحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "أحب البلاد إلى الله مساجدها". وقال تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ". ورفع المساجد يكون بتطهيرها، والعناية بنظافتها، وعدم أذية روادها، والقادمين إليها، وعدم ارتكاب أي عمل ينافي الأدب معها. ولنسأل أنفسنا إلى أي مدى نحن نحقق هذا الأمر الرباني فيما يتعلق بالمساجد في معظم المدن وعلى الطرق بين المدن؟
فقد حرص الإسلام على النظافة، وجعلها من الإيمان، فقال - عليه الصلاة والسلام - "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها", وهذا يدل على حرص الإسلام وعنايته بكل ناحية من نواحي الحياة. وكان الإسلام أحرص ما يكون على نظافة المسجد، والتحذير من توسيخه، فلقد كان لمسجد النبي خادم - أو خادمة - يقوم - أو تقوم - بتنظيفه وكنسه، هذا مؤشر إلى الالتزام والعناية بالمساجد والحفاظ على نظافتها فهي موضع مناجاة العبد ربه فهي الأحرى بأن تكون الأفضل نظافة وعناية .
لن أتحدث هنا عن مدى محافظة بعض المصلين على نظافة أنفسهم عندما يصلون في المساجد, وهل الجميع يلتزم بشروط هذا الحضور من نظافة الجسد والملبس؟ فتلك قضية أخرى. لكن ما يؤرق كل مسلم منا, خصوصا في مجتمعنا الذي يفترض أن يكون مثاليا في العناية بالمساجد, خصوصا أن هناك وكالة خاصة بهذا القطاع في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ومن أهدافها: تعميم المساجد بمختلف فئاتها، وسد الحاجة إليها في كل بلد وبقعة في المملكة يوجد فيها سكان مقيمون، أو تثبت الحاجة إلى إقامة مسجد فيها. وتحقيق وحدة الأمة، وتأكيد مبدأ الأخوة الإيمانية بين أفرادها من خلال المساجد. نشر الوعي الديني بين أفراد المجتمع، ورفع مستوى فهمهم للإسلام عن طريق المسجد.
إبراز أثر المسجد في حياة المسلمين بوصفه منارة إشعاع ومصدراً للتوجيه والتبصير. وتحقيق أعلى قدر ممكن من الرعاية للمساجد، والعناية بها من جميع الوجوه لكونها بيوت الله، وتحسين مستويات أداء العاملين في المساجد من أئمة، وخطباء، ومؤذنين ومراقبين، وخدم للقيام بواجباتهم على خير وجه. وكي تحقق هذه الأهداف نجد أن مهامها توضح كالآتي: الإشراف على عموم المساجد في المملكة وتلبية حاجة المجتمع إلى إقامة مساجد جديدة وفق خطة مرسومة. اقتراح الخطط والسياسات والضوابط والتعليمات الخاصة بشؤون المساجد، ومتابعة تنفيذها. اقتراح الضوابط اللازمة لإسهامات الراغبين من فاعلي الخير في عمارة المساجد، أو ترميمها، أو تجهيزها، بالتنسيق مع الإدارات المعنية الأخرى، والإشراف على تنفيذ تلك الضوابط والاهتمام بأئمة المساجد، والخطباء، والمؤذنين، والخدم، والمراقبين، ووضع السياسات اللازمة لسد الاحتياج منهم، وتحسين مستوياتهم. وإقامة ملتقيات للأئمة والخطباء، للرفع من مستواهم، وتطوير قدراتهم، بالتنسيق مع الجهات الأخرى. ومتابعة توفير احتياجات المساجد، وتأمين مستلزماتها. والمراقبة المستمرة، والمتابعة الدائمة للأعمال المتعلقة بالمساجد. ودراسة قضايا المساجد، وحل المشكلات التي قد تنشأ بين منتسبيها وغيرهم. واقتراح الخطط اللازمة لربط المجتمع بالمسجد، وجعله منارة إشعاع في الأحياء، ومصدراً للتوجيه والتوعية بمختلف الوسائل. والقيام بما يسند إلى القطاع من مهام أخرى في مجال اختصاصاته .
هذه المهام تلقي عبئا ثقيلا على هذه الوكالة كي يتم تحقيقها بما يليق بمكانة (المسجد) خصوصا أن المسجد هو هوية المسلم منا, هو المنبع الأهم في تنشئة الأفراد واجتماعاتهم وتوحدهم.
بالطبع هناك مساجد يتم إنشاؤها والعناية بها من قبل بعض المحسنين ولكن بصفة عامة نجد أن الوضع العام لمعظم المساجد في الأحياء, خصوصا ما يتعلق بحالة دورات المياه الملحقة بها, وما هي عليه من
قذارة وروائح كريهة تستغرب أنها خاصة بمسجد! يفترض أنه مكان للعبادة, وأنه مكان لتجمع المصلين خمس مرات يوميا.
ونضرب مثالا على ذلك من مدينة جدة وفي الكورنيش هناك مسجد ضخم ولكن دورات المياه الملحقة به لا تليق بمكانته موقعا للعبادة, فحالتها سيئة جدا ولا تسمح لمن يضطر للوضوء أن يدخلها, فالروائح الكريهة والأرض القذرة وعدم النظافة تجعلك تتساءل هل: هذه دورات لمسجد يقع في منطقة سياحية كما يقال؟ هذا في الكورنيش والأسوأ منه في مساجد بعض الأحياء أو على الطرق بين جدة ومكة, أو مكة والطائف, أو الرياض والقصيم ... وإلخ.
فهل هذه المساجد خارج مسؤوليات قطاع الوزارة, كما ذكر في إحدى الصحف بأن هذه المساجد التي قرب المحطات على الطرق من مسؤوليات وزارة الشؤون البلدية والقروية؟ وإذا كانت كذلك فها هو الوضع الآن؟ أليست هناك متابعة من قبل المراقبين في الوزارتين لهذا الوضع المزري للمساجد؟
وكما كانت هناك حملات قامت بها الوزارة منذ عامين تقريبا لتصحيح وضع خطباء المساجد والملاحظة عليهم وتدريبهم لفهمهم الدور المنوط بهم. وما يجب أن يقال وما لا يصح أن يقال في خطب يوم الجمعة كما نشر عنها. وأيضا ما نشر منذ أيام عن حملة أخرى يتابعها شخصيا الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد رئيس اللجنة العليا لبرنامج العناية بالمساجد ومنسوبيها, وهي الحملة على مكبّرات الصوت المخالفة في جميع مساجد وجوامع المملكة في المناطق كافة, حيث يتلقى تقارير يومية عن سير الحملة وما تم إنجازه في هذا الشأن, وأن فرق صيانة فنية تتكون من مهندسين متخصصين في الكهرباء ومكبرات الصوت, تعمل وفق خطة برنامج العناية بالمساجد, تقوم بالتفتيش على أجهزة مكبرات الصوت في الجوامع والمساجد وإزالة أي ميكروفونات مخالفة, وقياس قوة أصوات الميكروفونات وتأثيرها في المصلين في المساجد المجاورة, حتى لا يكون هناك تشويش على المصلين. وقالت المصادر إن توجيهات مشددة للوزير بضرورة معالجة ارتفاع مكبّرات الصوت في بعض المساجد والجوامع، وزيادتها على الحاجة في مختلف مناطق المملكة. وأوضح تقرير صادر عن فرع الوزارة في منطقة الباحة "أن فريقاً متخصصاً في الفرع تفقد أكثر من 45 جامعاً ومسجداً في مدينة الباحة والمراكز التابعة لها، حيث تمت إزالة ما يقارب 100 هورن من تلك المساجد والجوامع، مشيراً إلى أن الفريق سيواصل عمله في جميع المحافظات في المنطقة حتى يتم التأكد من شمول هذا التوجيه جميع المساجد والجوامع. هذه الحملة لماذا لا تواكبها حملة أخرى للعناية بالمساجد ونظافتها, خصوصا أن هناك مساجد هي عبارة عن (صندقة) من الحديد الشنكو أو بناء بلك عادي وخال من أي نوع من أنواع الفرش أو النظافة؟!
الحملة على مكبرات الصوت لا أعتقد أنها مهمة, بل لم تكن مزعجة لسكان الأحياء قدر الإزعاج المتمثل في الحالة المزرية لنظافة معظم المساجد أو دورات المياه التابعة لها التي لا تليق بدولة هي منبع أرض الرسالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي