السخرية بوصفها علاجا شافيا!
لطالما آمنت بأن السخرية فن عظيم ووسيلة علاج حقيقية لكثير من المشكلات وخصوصاً الاجتماعية، ليس لأن السخرية دواء سحري، كما قد يتوهم البعض ولكن لأنها أكثر السياط إيلاما, وخصوصاً لدينا نحن العرب، فالعربي يقبل بأن يحمل سلاحه ويقاتلك كـ "ند" وربما فخر بذلك، لكنه لن يقبل أبداً بأن يكون مجالاً لسخريتك .. حتى لو أدى ذلك إلى تغيير سلوكه مقابل نجاته من سياط السخرية مهما بلغت صعوبة عملية التغيير.
ولطالما لعبت الآداب والفنون دوراً في تغيير كثير من الظواهر الاجتماعية لكن من خلال السخرية فقط .. ففي السينما المصرية كمثال وعلى امتداد أكثر من 30 سنة تم تصوير الكثير من أصحاب الاتجاهات الدينية المتطرفة كدراويش بزي معروف وهيئة مختلفة عن بقية الناس وطريقة كلام مضحكة أدت في نهاية المطاف إلى لجوء الكثير من أصحاب تلك الاتجاهات إلى تغيير هيئتهم النمطية وعصرنة زيهم، والابتعاد عن طريقة الكلام التقليدية التي اعتادوها, ليس بحثاً عن القبول لدى الآخر كما يشاع وكما يبررون, وإنما هرب من سياط السخرية التي تواجههم في الشوارع والأماكن العامة بشكل مستمر!
أيضاً لو تتبعنا هيئة العربي وكاريزمته في السينما الغربية في السبعينيات والثمانينيات لوجدناها تلك الصورة السلبية الساخرة التي تتكرر بشكل كبير في عديد من الأفلام, مصورة إياه كجاهل شهواني تحيط به الجواري ويلقي بحبات العنب في فمه, موزعاً ضحكاته الساذجة على من حوله ومترنماً على أنغام آلة العود!
أما بعد 11 أيلول (سبتمبر) فقد تغيرت هذه الصورة تماماً لتصوره على أنه إرهابي عنيف وقاتل مسعور يبحث عن الأبرياء ليفجر نفسه بينهم, لكنه يبقى مغفلاً في نهاية المطاف!
ورغم أن بين الصورتين فرقا كبيرا إلا أن الهدف من ذكرهما هنا الدلالة على مدى إيلام السخرية وتأثيرها في الآخرين, فكم هي البيانات والمقالات وردود الأفعلال التي تثار من قبلنا ـ نحن العرب ـ تجاه مثل هذا الطرح سواء كان في فيلم سينمائي أو كاريكاتير .. لكننا لا نتحدث أبداً بل لا نلقي بالاً للتصريحات الجادة التي تصفنا كإرهابيين على ألسن القيادات الإسرائيلية المتطرفة كمثال بسيط!
إنني أعتقد أنه حان الوقت لنتعامل مع فن السخرية كعلاج لمشكلاتنا الاجتماعية من خلال الفن والحوارات والصحافة بدلاً من أن نتعامل معه كمخدر, كما هي الحال الآن، وهذه دعوة لك أنت أيها القارئ الكريم قبل غيرك لتجرب هذا الفن/ العلاج في محيطك الصغير آملاً منك ألاّ تنسى أن تخبرني بالنتيجة!