جامعة الملك عبد الله.. صرح علمي جديد

سيسجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين تبنيه ورعايته لأهم مشروع تعليمي تنموي تشهده بلادنا في العقود الأربعة الأخيرة. فمنذ افتتاح كلية البترول والمعادن - التي أصبحت تسمى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - كأول صرح تعليمي نوعي في منتصف الستينيات الميلادية من القرن العشرين، لم نشهد مشروعا تعليميا متميزا بالفكرة والنوعية نفسيهما – وربما أفضل بحكم الفارق الزمني - حتى أعلن عن تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.
ستكون هذه الجامعة نقطة تحول تاريخي في مسيرة مجتمعنا التعليمية لو سارت وفق التصور الذي خطط له. كنا في حاجة ماسة إلى مثل هذه الصروح التعليمية المتميزة التي تمنحنا أملا كبيرا في تحقيق أحد أهم أهدافنا التنموية المتعلقة باللحاق بمضمار التقنية الحديثة. فبمثل هذه المشاريع يمكن لنا تأهيل أجيال قادرة على خدمة بلادنا ومشروعنا التنموي والحضاري المأمول. فقد غدا ارتفاع نوعية التعليم أحد أهم الفوارق التي تميز الشعوب والأمم عن بعضها بعضا.
إن أحد أهم شروط قيام صروح علمية وبحثية متطورة ومتميزة هو استيعابها مختلف الأفكار وإطلاقها العنان لحرية التفكير. وعلى هذا جاء تأكيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الرئيس الفخري لمجلس أمناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية - عند استقباله أعضاء مجلس الأمناء وترؤسه لاجتماعهم الأول قبل أيام – بقوله إن هذه الجامعة ستكون مركز إشعاع حضاري يضيء بأسباب النهضة والتقدم لصياغة مستقبل أفضل للإنسان. وأضاف – حفظه الله - مؤكدا أن هذه الجامعة ستستوعب كل الأفكار والثقافات وفق رؤية تنسجم مع روح العصر ورسالة الدين، مؤكدا – رعاه الله - أن الهدف من تأسيس هذه الجامعة قيام اقتصاد معرفي هدفه تنويع مصادر اقتصادنا الوطني.
لقد بدأت هذه الجامعة بداية صحيحة بتشكيل مجلس أمناء من شخصيات عالمية يشكلون الهيئة المستقلة التي تشرف على إدارة هذه الجامعة الجديدة ومراكز أبحاثها، ومنح هذا المجلس صلاحيات كاملة كهيئة مستقلة للارتقاء بالجامعة إلى مستوى الرؤية التي تأسست عليها. وبذا فقد انعتقت من رقبة بيروقراطية الجهاز الحكومي المعطلة، وهذا لعمرك أولى خطوات التميز والانطلاق. فالصروح العلمية النوعية في أي مكان في العالم لا تحمل انتظار القرارات الحكومية وطول فترة المراسلات التقليدية. وبالفعل فقد نجح المجلس في تعيين أعضاء هيئة التدريس من ذوي الخبرة العلمية وأصحاب التميز الأكاديمي في مختلف التخصصات للتدريس في الجامعة بما يتوافق مع طموحات هذه المنارة المشعة وأهدافها المثلى، وبما ينسجم أيضاً مع مجالات الدراسات فيها كجامعة معنية بالعلوم والأبحاث والتقنية نظرياً وتطبيقياً.
ولم يكن اهتمام المليك - رعاه الله - بهذه الفكرة وليد الساعة، بل كان حلما تطلع لتحقيقه منذ 25 عاماً. وقد أصبح هذا الحلم, بحمد الله, واقعاً يحمل الصفة العالمية والإنسانية. لقد قيض الله ـ عز وجل ـ هذا الملك بقلبه الكبير ونفسه الرفيعة ليكون خادما لشعبه وللإنسانية. فمن يتأمل حديثه يجد خدمة الإنسانية حاضرة في أهداف مشاريعه، رأيناها في الطب ونراها في التعليم الآن. والملك يستمد هذا الشعور الإنساني الصادق من عقيدته الإسلامية. وظهر ذلك جليا عند تأكيده على الهدف من إنشاء هذه الجامعة. فقد أكد أن الهدف: "هو التأسيس لقيام اقتصاد معرفي يهدف إلى تنويع مصادر اقتصادنا الوطني، ويكون جسراً للتواصل بين الحضارات، وأن تؤدي هذه الجامعة رسالتها الإنسانية مستعينة بالله - جل جلاله- ثم بالعقول النيرة في كل مكان. وكل هذا يتطلب منا بذل الكثير من الجهد والعمل متوكلين على الرب - عز وجل - كي يتحقق هدفنا الكبير في تأهيل أجيال قادرة على خدمة مجتمعاتها وعالمها، لما فيه خدمة الإنسانية. ولا شك، أيها الإخوة والأخوات الأعضاء، أنكم نخبة مميزة نعقد عليها الأمل بعد الله في التخطيط والتشاور والعمل لتكون هذه الجامعة منارة علم، ومركز إشعاع حضاري يضيء بأسباب النهضة والتقدم لصياغة مستقبل أفضل لإنسان هذا الوطن والمنطقة والإنسان في كل مكان ـ بإذن الله ـ. شاكراً لكم مشاركتكم في هذه الجامعة، سائلين العلي القدير التوفيق والسداد".
بارك الله في ولي أمرنا، وهنيئا لنا بهذا الصرح الجديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي