مواجهة نقص (المتخصصين) في الجودة

أصبحت الجودة اليوم مطلباً أساسياً للمنظمات في مختلف القطاعات سواءً الإنتاجي أو الخدماتي، الخاص منها والعام، وبالتالي فإن الحاجة لإخصائي الجودة أضحت ماسة، ولذلك بات من المألوف أن تجد كثيرا من إعلانات الوظائف تحتوي على وظائف شاغرة لإخصائيي الجودة سواء القياديين منهم أو دون ذلك، لما لهم من دور محوري ترتكز عليه كثير من جهود المنظمات الحديثة في تميزها وتطورها، خاصة مع دخول العولمة وتأثيرها المتنامي في المنظمات.
وفي الوقت نفسه يجد المتأمل في واقعنا اليوم كثيرا من المهتمين بالجودة والمنادين بها، ولكن قد يصدق على بعضهم كما يقال: يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، حيث إنه يوجد منهم من يفتقد إلى الحد الأدنى من الجدارات والمهارات التي ينبغي توافرها فيه. والجودة ليست مجرد وظيفة نتكسب من ورائها لقمة العيش فحسب، إنما هي رسالة جليلة تستلزم من المختصين فيها الحصول على معاييرها المهنية المختلفة. لذا فالسؤال الذي كثيراً ما يطرح، ويتطلب له إجابة.. هو: ما الجدارات اللازمة حتى نحصل على إخصائي جودة محترف يمثل قيمة مضافة للمنظمات والمجتمع الذي يعمل فيه؟ والإجابة تتمثل - في رأيي - في الخطوات العملية التالية، والتي تمثل خريطة طريق توصل إلى مرحلة الاحتراف والتميُّز في مجال الجودة بتوفيق الله تعالى:
الخطوة الأولى: التضلّع من علم الجودة ومفاهيمها، فعلى إخصائي الجودة أن يكون على فهم ودراية بعلوم الجودة وتطبيقاتها المختلفة، كمفهوم إدارة الجودة الشاملة، ومفاهيم التميُّز وأنظمة الجودة ومعاييرها العالمية المختلفة، وما يسمى أدوات ضبط الجودة وتطبيقاتها الإحصائية.. إلخ. فكل ما سبق يعد أساسا معرفيا يبنى على قاعدته الحد الأدنى من عتبة الاحتراف، ولا يليق بإخصائي الجودة جهله، ومن هنا تظهر الحاجة إلى وجود برامج أكاديمية في جامعاتنا المختلفة في مجال تخصص الجودة، بمستوى دراسات عليا، وبكالوريوس، أو على الأقل دبلومات، وبرامج تدريبية مكثفة، ولا يكتفي بالحصول على الدورات المصغرة فقط وإن كانت ذات أهمية.
الخطوة الثانية: التواصل مع علماء الجودة والتميُّز ومفكريها على المستويين المحلي والدولي، والاستفادة من مناهجهم وأفكارهم في مجال الجودة من خلال المقابلة أو عن طريق قراءة كتبهم ومؤلفاتهم، ولذلك لا يوجد أي مختص في الجودة إلا وقد سمع وقرأ عن كبار علماء الجودة ديمنج، وجوران، وكرسبي والذي قد زار المملكة وحضر ملتقى جدة الاقتصادي الأول. كذلك من علماء العرب البروفيسور محمد زائيري والذي يطلق عليه البعض أبو الجودة في العالم العربي.
الخطوة الثالثة: المتابعة المستمرة لكل ما يطرح في الساحة الإعلامية من مجلات عالمية للجودة كمجلة الجمعية الأمريكية للجودة ASQ، والتي نفتقد للأسف لمثلها في ساحتنا العربية، كذلك نشرات الجودة الدورية والتي يحتوي بعضها على خلاصات ومعلومات ثمينة. ومما أؤكده كذلك الحرص الدائم على حضور مؤتمرات الجودة المحلية والعالمية فهي وسيلة للاطلاع على آخر ما تمّ التوصل إليه من مفاهيم ونظريات وتجارب عملية، ومن ثمّ الاستفادة منها كقياس مقارن.
الخطوة الرابعة: الحصول على الشهادات العالمية المختلفة في هذا المجال، مثل شهادة مدير جودة معتمد والتي تمنحها الجمعية الأمريكية للجودة ASQ، وشهادة مدقق نظم الجودة الآيزو ISO، ومثل أيضاً شهادة مقيَّم معتمد لجوائز التميُّز EFQM، إلى غيرها من الشهادات العالمية التي تبني الثقة، والموثوقية لدى الحاصل عليها، فهي طريق معتمد دولياً للحصول على علوم وتطبيقات الجودة ومفاهيمها بكفاءة ومصداقية. فمن لم يحصل عليها بعد فليسارع بوضعها في جدوله المستقبلي.. ولا يتردد!
الخطوة الخامسة: الانضمام إلى عضوية جمعيات الجودة ومجالسها المختلفة عالمياً كالجمعية الأمريكية للجودة ASQ، وإقليمياً كجمعية الشرق الأوسط للجودة MEQA، ومحلياً كالمجلس السعودي للجودة SQC، فالالتحاق بهم يهيئ الفرصة للقاء بمختلف المختصين بالجودة تحت مظلة واحدة، وهي وسيلة مهمة للاطلاع المستمر على أنشطتها المختلفة ومشاركاتها المحلية والعالمية، التي يستحسن المبادرة والمشاركة الإيجابية فيها إعداداً وحضورا.
الخطوة السادسة: العمل والتطبيق، فخير وسيلة للعلم هو العمل، فينبغي على إخصائي الجودة تنفيذ وتطبيق ما تعلمه وفهمه من تطبيقات الجودة ومفاهيمها في المنظمة التي يعمل بها بصورة استراتيجية، ولو كان على نطاق جزئي أو مرحلي.
الخطوة السابعة: تذكَّر أن للجودة وجهودها جوانب إنسانية وأخلاقا مهنية يجب الاتصاف بها، فلن ينجح قادة الجودة وإخصائيوها في مجالهم ويصبحوا محترفين إلا من خلال الاتصاف بالصبر، والتعاون، وروح فريق العمل الواحد، والقدرة على التحفيز، والتمكين، وإعطاء الآخرين حقوقهم.. إلخ، وقبل ذلك وبعده الاستعانة بالله عز وجل في كل أمورهم.
وتطبيقاً لما سبق.. أقترح عليك أخي القارئ - إن كنت من المهتمين بالجودة وتطبيقاتها - تقييم الفرق بين مستواك وهذه الخطوات Gap analysis لتتعرف على قدراتك ومستواك وتتمكن من الوصول إلى التميُّز المنشود.
وأخيراً.. إني لأجدها فرصة سانحة بالثناء الكبير على دور الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس وجهودها المتنامية، التي أصبحت تخطو خطوات بارزة ومتميزة في نشر وتوطين الجودة والتميز في مملكتنا الغالية، وكذلك حث القائمين عليها على الاهتمام بفئة إخصائيي الجودة والمهتمين بها كمّاً وكيفاً، وذلك من خلال تبني مشروع بناء المعايير المهنية للعاملين في مجال الجودة والذين يعدون من مقدرات البلد وثرواته الثمينة. وهذا المشروع دون شك، سيكون له المردود الإيجابي في ردم الفجوة في نقص المختصين في علم الجودة.
وبالله التوفيق..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي