ناقلاتنا الجوية والتوازنية بين المسؤولية الاجتماعية والتجارية؟
لم يعد تقييم شركات القطاع الخاص يعتمد على ربحيتها فحسب، ولم تعد تلك الشركات تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط, فقد أدركت مؤسسات القطاع الخاص أنها غير معزولة عن المجتمع, فهموم المجتمع والبيئة، أصبحت من الضرورات المأخوذة بعين الاعتبار لدى هذه المؤسسات، فظهرت الأضلاع الثلاثة لدى القطاع الخاص التي عرّفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة, لذالك أصبحت مؤسسات القطاع الخاص تلعب دورا محوريا في عملية التنمية. فبناء على هذا يتجلى لنا اضطلاع شركات القطاع الخاص ومنها شركات النقل الجوي بمسؤوليتها الواجبة تجاه المجتمع، كما تراه بعض الجهات الدولية الرسمية، بينما غيرها تراه تطوعا غير ملزم وخصوصا الشركات نفسها، فالبعض يراها بمثابة تذكير للشركات بمسؤولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه، بينما يرى البعض الآخر أن مقتضى هذه المسؤولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه المجتمع. ويرى آخرون أنها صورة من صور الملاءمة الاجتماعية الواجبة على الشركات. إلا أن كل هذه الآراء تتفق من حيث مضمون هذا المفهوم. وقد عرف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية على أنها "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل". فنقصان الرحلات والمقاعد، خصوصا أوقات الذروة والالتزام بالمواعيد المحددة للرحلات من قبل شركاتنا الجوية (سما – ناس - السعودية), وكذلك زيادة رسوم مالية جديدة على التذاكر تصل إلى 25 في المائة من قيمة سعر التذكرة المباعة بحجة التخلف عن السفر من قبل السعودية, والمجتمع مسبقا يشكو كثيرا من ارتفاع أسعارها وخصوصا التذاكر المحلية, هذا التقصير يعني الإقلال من المساهمة في تحمل المسؤولية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية إن لم يكن الإضرار بهما والتأثير فيهما، وسعي هيئة الطيران المدني إلى وضع ضوابط ومعايير لتحديد شروط عقود شركات الطيران المنخفضة التكاليف لمصلحة المسافر, وضمان وجود نظام من شأنه حماية حقوق كل الأطراف.
لشيء جميل الذي نشر بتاريخ 13/4/1430هـ في صحيفة "الجزيرة"، والأجمل هو التزام هذه الشركات بهذا النظام في حال نجاح هذا السعي. ولا يشك عاقل في أن الهدف الأساس لهذه الشركات هو الربحية التجارية لها فكيف تحقق التوازنية بين مسؤوليتها الاجتماعية ومسؤوليتها التجارية، أي بين مسؤوليتها تجاه مجتمعها ووطنها ومسؤوليتها تجاه نفسها؟
فعوائق التوازنية السابقة تكمن في أسعار الوقود خاصة للطيران الاقتصادي وثبوتية أسعار التذاكر وتدني نسب الإركاب، خصوصا في المناطق النائية وقليلة الكثافة السكانية والحركة التجارية والسياحية استنادا لرؤية وتصريحات مسؤولي تلك الشركات الإعلامية إضافة إلى التنافسية، وحسب رؤيتي أن الوقود أصبح سعره ربحيا للطيران الاقتصادي، أما في الأربعينيات أو الخمسينيات فالخطوط السعودية تحصل عليه مخفضا من الدولة، وأسعار التذاكر، وإن كانت بيروقراطية، إلا أننا رأينا كيف استطاعت "السعودية" فرض غرامات على المسافرين، وعائق العوائق هو تدني نسب الإركاب في بعض مناطق المملكة، خصوصا تلك التي تفتقر إلى التجارة والسياحة، وهذا العائق نجحت شركة سما في تجاوزه والتغلب عليه، والتي قامت باستخدام طائرة من نوع (جيت ستريم) وخصصتها لمقابلة نسب الإركاب المتدنية وتقليل تكلفة التشغيل, أما التنافسية وما يترتب عليها من تفضيل والذي احتجت به إحدى شركات الطيران الاقتصادي في المملكة، ونشر قبل أيام بهذه الصحيفة الغراء، وتعتبره مبررا لإغلاق مكاتبها وتسريح منسوبي الشركة، فهو مبرر غير منطقي، خصوصا أن السوق السعودي لديه ما يقارب من سبعة ملايين وافد، معظمهم إن لم يكن الكل، يشكلون قوة اقتصادية مستهلكة لمثل هذه الشركات, أضف إلى ذلك عناصر الجذب الأخرى كفترات الصيف والسياحة الدينية، وحدث ولا حرج، ولكن هذه الشركة تريد إيصال رسالة معينة لجهة معينة لا أكثر. لذلك أستطيع أن أوجز قولي بإمكانية التوازنية بين المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية التجارية في بلادنا, فقط إذا رغبت الشركة في تحقيق ذالك.