أوباما وإهمال الهند

بدأت إدارة أوباما بإهمال الهند بينما تقوم بإصلاح العلاقات الأمريكية مع أوروبا الناتو وروسيا، وتشرك الصين من جديد، وتسترضي اليابان، وتركز طاقاتها العسكرية لإنقاذ أفغانستان وباكستان من القاعدة وطالبان، وسقطت الصفقة النووية الهندية ـ الأمريكية التي أخذت العلاقات الثنائية إلى أوجها في إدارة بوش السابقة، من قائمة أولويات الرئيس باراك أوباما، والتي قد تكون في خطر فعلا بمتابعته لمعاهدة حظر التجارب الشاملة، لأنها تضع الهند تحت ضغط هائل لتجربة رادعها غير الكامل.
وعندما قام رئيس الوزراء مانموهان سنج بكيل المديح على جورج دبليو بوش وهو في المنصب على أنه أفضل صديق رئاسي للهند، تحدث صادقا لكن بشكل ضيق، وبينما كان "الإنجاز الكبير" للرجلين، الصفقة النووية فإنها قوضت قدرة الهند ودفعتها في الوقت ذاته كقوة عالمية ناشئة لمواجهة الصين، وكان الإنجاز الثاني قد تمت الإشارة إليه بالتلميح فقط لكن لم يتم الاعتراف به من قبل الهند والولايات المتحدة بل أنكرتاه واضطرتا إلى التوافق مع نهوض الصين. لكن تقويض قدرة الهند كان حقيقيا، لأن التجارة النووية قد تم السماح بها شريطة أن تلتزم "بالتعليق الأحادي" بعدم إجراء التجارب.
ولما كان رئيس الوزراء الهندي غير صادق حول بوش والولايات المتحدة فإن وضع الهند الفريد يجعلها غير ملائمة لأي تحالف استراتيجي طويل الأمد وذي جدوى، مع قوة كبرى أخرى، فقد توددت الهند للاتحاد السوفياتي في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت قوة إقليمية نتيجة لذلك، لكنها أدركت حدود صداقتهما.
وبينما أدت نهاية الحرب الباردة إلى إزالة الشكوك حول الهند، فإن مصالح أمريكا في باكستان – أفغانستان، ومساعي الهند في السياسة الخارجية المستقلة بشكل معقول منذ استقلالها، منعت أكبر وأقوى ديمقراطيتين في العالم من أن تصبحا "حليفتين طبيعيتين".
وعلى نقيض الحكمة السائدة فإن هذا الكاتب قال في مقالة سابقة من اوبنينيون آسيا، بعنوان "الديمقراطية تفصل بين الهند والولايات المتحدة" في 22 شباط (فبراير) 2008، إن ممارستها الداخلية الضارية للديمقراطية يمكن أن تجعل الهند والولايات المتحدة متباعدتين، وقد أصبح هذا صحيحا وتحقق في ظل إدارة أوباما.
خارج نطاق المساعدات الإنسانية وغير العسكرية، فلا يمكن للهند أن تسهم في تخفيف الوضع بالنسبة للولايات المتحدة، والناتو، في أفغانستان. ومن المستحيل أن تطأ أقدام القوات العسكرية الهندية الأرض الأفغانية. وتعترض الهند على قيام أوباما بربط النزاع بشأن كشمير مع الأزمة الأفغانية – الباكستانية، إذ إن أصول الأزمتين مختلفة وأسبابهما منفصلة، والرابطة الوحيدة في كل هذا الأمر هي دولة باكستان المتراجعة، التي تحتاج اليوم إلى تجريدها من أسلحتها النووية قبل أن تقع في أيدي القوى المتقدمة لحركة طالبان والمتطرفين. وفي حين أن الولايات المتحدة واضحة بشأن أخطار البناء العسكري في باكستان، إلا أنها ليست على استعداد، وغير قادرة على تنفيذ خطة إنقاذ جريئة يمكن خلالها أن تكون مساهمات الهند بالأفكار، والاستخبارات، وإجراءات التغطية، مهمة للغاية.
لدى الهند والولايات المتحدة اتفاق استراتيجي طويل الأجل فقط، تصبح خلاله الهند قوة عظمى مستقلة، ولكن صديقة بطبيعة الحال للولايات المتحدة. وهو أمر متوقع منطقياً، بسبب المصلحة المشتركة في الروابط الديمقراطية بينهما، وإضافة إلى وجود اعتمادات اقتصادية عميقة متبادلة، وتتعلق بالسوق، وهذه الروابط ستنمو. غير أن الغريزة الطبيعية لقوة عظيمة في أن تعارض بروز قوة أخرى، من شأنها أن تنبئ بالعلاقات الهندية – الأمريكية، وهذه معركة لا يمكن للهند أن تنسحب منها أو تخسرها. والخيط الرفيع الذي يغلف الروابط الهندية الأمريكية في ظل حكم أوباما هو أن الهند تتكيف ببطء، ولكن بمعاناة، مع هذا الواقع الجديد، وأية إشارات لوجود غموض في هذه المرحلة من شأنه أن يحدث النتيجة غير المرجوة.
على سبيل المثال، لا يوجد مبرر للهند في أن تردد (كما فعل الممثل الخاص لرئيس الوزراء قبل بضعة أيام) في أنها اتبعت سياسة جديدة تتعلق بإدارة أوباما المقبلة لإبقاء مسألة الهند/ كشمير خارج إيجاز الشخص الأمريكي المعين للعلاقات بين أفغانستان – باكستان، ريتشارد هولبروك، العنيد. ومن ناحية أخرى، فإن الهند تحيك بهدوء القوة النووية، وصفقات الوقود مع روسيا وفرنسا، لأن ظروف السوق، ومتطلبات المسؤولية القانونية، ومخاوف العقوبات، تجعل الارتباط مع الشركات الخاصة الأمريكية أمراً بعيداً في هذه المرحلة. ورغم ذلك، على الهند أن تواجه الولايات المتحدة إذا تابع أوباما معاهدة حظر التجارب الشاملة، ومعاهدة الحد من المواد الانشطارية مصادق عليها، وحظر دولي على الصواريخ متوسطة المدى، وجميعها أمور محورية لنهضتها. وإذا تعدينا نطاق الصواريخ متوسطة المدى إلى الصواريخ البالستية العابرة للقارات، فإن وجود اتفاق فعال أمر ضروري، وبناءً عليه أيضاً، تراكم أسرع لمخزون الأسلحة والمواد الانشطارية. ولا يمكن تأخير الاختبار الآخر للتغلب على فشل السلاح النووي أيضاً. ولكن من الواضح إن للأمر عواقبه الذي يجب تقييمه مقابل تلك المنافع مثل الانسياب الحالي للعلاقات الهندية الأمريكية المنخفضة.
هذه القضايا ستواجه حكومة هندية جديدة في حزيران (يونيو) بوقت أسرع من الوقت اللازم لتسويتها. ولهذا السبب سيكون من المنطقي للغاية أن يقود حزب المؤتمر وحزب بهارتا جاناتا اللذان يقودان أكبر تحالفين إلى الانتخابات العامة أن يناقشا سراً هذه القضايا لتوفير الاستمرارية، وربما الواقعية، لخريطة الطريق مستقبلاً.

الكاتب محرر NewsInsight وهي مجلة هندية للشؤون العامة. وقد نشر أخيرا روايته الثانية Courte san of storms
خاص بـ "الاقتصادية"

4

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي