قمة العشرين والتغطية على الإخفاقات الاقتصادية الأمريكية
بعد أن توصلت قمة مجموعة العشرين التي عقدت في لندن أخيرا إلى نتائج إيجابية عبر الدعوة إلى تنفيذ حزمة اقتصادية تهدف إلى إنعاش الاقتصادات ومكافحة الركود الاقتصادي في العالم ولا أحد ينكر ذلك, لكنه في وقت تيقن فيه الغرب أن اجتماعات قمة السبع أو الثماني لم تفلح في حل مثل هذه الأزمات الاقتصادية والمالية ما حتم مضاعفة العدد فجاءت قمة مجموعة العشرين, وذلك بعد أن توافق زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مجموعة مبادئ خاصة بإعادة تأسيس النظام المالي العالمي, أو بمعنى آخر تعديل قواعد اللعبة المالية الدولية لتعزيز مصالحهم المالية بغض النظر على حساب من تكون, وحيث يبدو الظاهر هو العمل على دفع عجلة النمو الاقتصادي والتصدي لخطر الكساد من خلال إعادة تحديث المؤسسات المالية والعمل مع الاقتصادات الناشئة والنامية والدعوة إلى المزيد من الرقابة المالية, ولا أحد يقلل من أهمية هذه الإجراءات, وتتألف مجموعة العشرين من كل من: الأرجنتين, أستراليا, البرازيل, كندا, الصين, فرنسا, ألمانيا, الهند, إندونيسيا, إيطاليا, اليابان, كوريا الجنوبية, المكسيك, روسيا, السعودية, جنوب إفريقيا, تركيا, بريطانيا, الولايات المتحدة, والاتحاد الأوروبي، لكن ما جعل المواطن العربي يعلق آمالا على هذه المجموعة هو وجود السعودية, وهي دولة مؤسسة في مجموعة العشرين, من بين أعضائها باعتبارها ذات أهمية اقتصادية بارزة وخاصة في مجال النفط، إضافة إلى وضعها الاقتصادي المثالي والمستقر, مما جعلها مؤهلة لأن تلعب دورا مهما في حل الأزمة المالية العالمية الراهنة. قد لا يقتصر فقط على المجال الاقتصادي أو النفطي بل حتى السياسي. الجدير بالذكر أن الاستثمارات السعودية في أمريكا تراوحت بين 40 و200 مليار دولار وهي في الغالب استثمارات لبنوك تجارية سعودية وشركات وأفراد سعوديين.
وإذا كانت الخطة التي تبنتها القمة العشرينية هي تحديدها لخريطة طريق ذات معالم واضحة لإصلاح النظام المالي العالمي, وذلك بعد التصميم الذي أظهرته دول المجموعة حسبما تردد لاستعادة الثقة بالنظام المالي عبر إجراء إصلاحات في البنك وصندوق النقد الدوليين وتعزيز تعاونها لإعادة إطلاق النمو الاقتصادي العالمي وإصلاح النظام المالي, وكذلك المطالبة بآليات ملموسة لمراقبة الأسواق العالمية وضمان شفافيتها وذلك بوضع قائمة سوداء في المؤسسات المالية التي تشكل ممارساتها خطرا على الاقتصاد العالمي, فإننا ما زلنا نأمل ألا تكون هذه القرارات مجرد دفترية, بل أن توضع كل هذه القضايا موضع التنفيذ بعد بحث النظام المالي العالمي والهيكلة وإعادة الهيكلة المالية والإجراءات التي اتخذتها الدول في معالجة الدفع الاقتصادي، إضافة إلى الإجراءات المطلوب اتخاذها لتفادي تكرار ما حدث في الأسواق المالية في المستقبل ودعم الإجراءات الجارية في معالجة تداعيات هذه المشكلة سواء على القطاعات المالية والمصرفية وأسواق المال أو أسواق الإقراض وتأثيراتها في البنوك, وإذا كان مصدر كل هذه الأزمات هي الأزمة المالية التي بدأت في بورصة "وول ستريت" في نيويورك والتي كانت محصلة لأزمة الرهن العقاري التي امتدت إلى معظم أسواق العالم، حيث لم يفلح ضخ المليارات من الدولارات في أسواق المال العالمية في الحد من تداعياتها لذلك فهي معلومة المنشأ, وملخص رأينا أنه لا يتحمل هذا الكم من الدول مسؤولية هذه الأزمة بقدر متساو ولا حتى بنسب متفاوتة, بل على العكس تماما فهذه الدول تعد ضحية للسياسات المالية الأمريكية المتهورة عبر تواجد الشركات متعددة الجنسيات التي تلاعبت بالاقتصاد العالمي بصورة لا يقبلها منطق, في الوقت نفسه ما زلنا نأمل ألا يكون اتفاق هذه الدول مجرد تطمينات إلى الأسواق العالمية لإعادة الثقة فيها لكبح زمام التدهور السريع بصورة أو بأخرى, وبالتالي كسب الوقت أو تأجيل الحلول أو ربما الدفع ببعض الدول العربية الغنية لتحويل أموال البنوك العربية إلى بنوك أوروبا المفلسة وتكفي الخسائر والإهدارات المالية العربية السابقة.
وعلى الرغم من المفاوضات التي أطلقتها جولة الدوحة التي توصلت إلى اتفاق لتحرير التجارة العالمية عام 2001 إلا أن الخلافات بين الدول الغنية والفقيرة خاصة في قطاع الزراعة قد بقيت عائقا أمام هذا الاتفاق خصوصا فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية وبدعم الاقتصاديات الناشئة والنامية, ولو عن طريق أضعف الإجراءات للتخفيف من معاناة الملايين من البشر عن طريق فتح الأسواق وحرية التبادل التجاري, لأن الأزمة الحالية لا تمثل فشلا لنظام السوق الحر بل إن هناك حاجة إلى إصلاح النظام لا تغيير الأسس التي قام عليها, فهذا مجرد تبرير للأزمة المالية الأمريكية الصرفة والمحاولة في توريط أكبر عدد من دول العالم فيها, مما يقتضي توجيه تحذير إلى قادة الفكر الاقتصادي الذي صهرته أتون هذه الأزمة وراوده حلم النظريات الاشتراكية المنهارة وأخذ يتكلم عنها من جديد ولو باستحياء, وطالب بمزيد من تدخل الحكومات في أسواق المال ومن لجوء بعض الدول إلى إجراءات الحماية الجمركية لمواجهة الأزمة المالية العالمية, وما نريد قوله أن الرقابة مطلوبة - خلافا لآدم سميث - في جميع المجتمعات سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية أو غير ذلك, ونستغرب هذه الحدة من الخلاف في وجهات النظر بين بعض الدول الأوروبية المهمة كفرنسا وألمانيا من جهة وبين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى حول درجة تدخل الدولة لتنظيم عمل الأسواق المالية, في وقت أخذت فيه الصين وروسيا تمسح دموعها على نظمها الشيوعية السابقة التي أحكمت فيه سيطرتها على الاقتصاد برمته, من ناحية أخرى وبعد أن تعالت الأصوات التي حذرت من انهيار كامل وسط توقعات بانتهاء عصر استخدام دول العالم للدولار كعملة للاحتياطي النقدي وبروز "اليورو" كعملة منافسة، وعلى الرغم من محاولات واشنطن السابقة في احتواء هذا العجز بالحروب الخارجية إلا أن الأزمات الداخلية الخانقة قد استفحلت بعد أن وصل العجز الأمريكي إلى 13 ألف مليار دولار تقريبا وسط مطالبة من الصين ومن دول الخليج بزيادة مدفوعاتهم لصندوق النقد الدولي لتمكينه من تقديم قروض عاجلة, حيث تشير البيانات المتوافرة أن دول الخليج لديها استثمارات في الأسواق العالمية تصل إلى نحو 200 مليار دولار, أما الاقتصاد الصيني فهو أحد أسرع الاقتصاديات نموا في العالم, وأن أية إجراءات تتخذ لمواجهة الأزمة الدولية يجب ألا يكون بمعزل عنها نظرا لأن لدى الصين احتياطيا هائلا من العملات الأجنبية بلغ نحو تريليوني دولار، ومن ثم فإنها من الدول القليلة التي لديها فائض من السيولة يمكنها من مساعدة الدول الأخرى, على أن المشكلة تكمن في أن الصين لن تغامر بسيولتها المالية أو تضخها في صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه أساسا الولايات المتحدة والدول الأوروبية, وهو موقف حازم ونموذجي يجب أن تحتذي به بقية الدول, فهل سينفع ترحيب البنك الدولي بالالتزام الذي قطعه قادة دول مجموعة العشرين تجاه الدول الأكثر فقرا أم سيبقى هؤلاء ضحية للسياسات المالية غير العادلة التي انتهجتها الدول الكبرى؟
كيف سيتم انتشال أمريكا من ورطتها وازدياد فقر الدول الفقيرة؟ هذه القمم سواء كانت سبعا أو ثماني أو عشرين لم تتردد في تضليل الرأي العام العالمي وتدفع دائما باتجاه أن مسؤولية حل الأزمة المالية مسؤولية جماعية حيث لا تريد أن تتهم أحدا بالتسبب بها, ولا تريد أن تبحث عن كبش فداء حسب تعبير قادتها, وفي ذلك تبرئة لواشنطن وبحث عن مخرج لها من أزمتها المالية المتفاقمة ومساعدتها على التهرب من التزاماتها تجاه المجتمع الدولي والتغطية على جرائمها وإخفاقاتها الاقتصادية بإشراك هذا الكم من الدول من جميع أنحاء العالم حتى تبدو الأزمة وكأنها عالمية, بينما يعلم الجميع من هو المتسبب بها. قمة العشرين هي مجدية لكنها لا تتماشى مع عقلية القرن الواحد والعشرين حيث الحيادية وبروز الأقطاب المتعددة, نأمل أنها لم تكن إحدى أكذوبات أبريل.