مجموعة صافولا وحساب إبراء الذمة: نموذج

قدم مشروع حساب إبراء الذمة لدى البنك السعودي للتسليف "والادخار" فرصة لمن يريد أن يُكََفّر عن أخطائه تجاه الوطن. فقد تم فتح "الحساب الخيري" لدى مصرف الراجحي للراغبين في إيداع أي مبالغ على سبيل الهبة (لمن ؟) أو الوقف (كيف؟) أو المبالغ المأخوذة بغير وجه (؟؟) – لا أعرف لماذا سمي خيريا. ومن خلال العودة إلى موقع بنك التسليف نجد أن الأموال المودعة فـي الحـساب قد بلغت نحو 158 مليون ريال، وهو مبلغ جيد إذا علمنا أن الحصول عليه تم طوعا وبشكل شخصي من المواطنين وفقا لأسلوب الصلح خير والعائد عن الذنب كمن لا ذنب له. بالتأكيد إنه شرف كبير وتوبة عظيمة أن يقوم أحدهم ودون أية رقابة أو توجيه سوى الخوف من الله ثم تأنيب الضمير ليرد ملايين كانت بحوزته حصل عليها دون وجه حق ولا يعلم عنها - غير الله - ولم يسأله عنها أحد. يقوم بردها طواعية متجاهلا نداء النفس الأمارة بالسوء مستجيبا لدعوه الصندوق الخيرية. لن أناقش قضية الضمانات ألا يساء استخدام هذه المبالغ مرة أخرى وهل ستصل أخيرا إلى مستحقيها أم ستضل الطريق مرة أخرى باحثة عن صندوق خيري آخر؟ كما لن أناقش مصداقية الرقم وهل المودع أكثر من هذا أم لا؟ طالما أن البنك يخضع لمراجعة ديوان المراقبة العامة!
ما سوف أناقشه مختلف تماما وباختصار ماذا عن أموال الناس التي لدى الشركات والمؤسسات الحكومية بتنوعها والتي لم تدفع لهم، سواء بتجاهل حقهم أو لأنها سقطت سهوا؟ كل مبلغ – تقريبا – تم إيداعه في الحساب الخيري أعتقد أنه يخص مواطنا آخر لم يتسلم حقوقه فكيف نصل إليه؟ في هذا النقاش أقدم تجربة مثيرة جدا ورائعة إلى أبعد حد. إنها تجربة شركة صافولا فقد أعلنت الشركة على موقعها الإلكتروني وعلى موقع "تداول" أنه و"حرصاً منها على حقوق مساهميها وانطلاقاً من مبدأ الأمانة"، فإنها تعلن قوائم أسماء المساهمين الذين لديهم أرباح مستحقة من أعوام سابقة لديها سبق إقرار صرفها للمساهمين نقداً ولم يتم تسلمها من قبل مستحقيها، نظراً لعدم مراجعتهم للمجموعة أو نتيجة لعدم صحة عناوينهم أو أرقام حساباتهم المرتبطة بمحافظهم الاستثمارية - انتهى. إنها قضية شائكة بالنسبة لإدارة الشركة فهناك مبالغ كبيرة تمثل مستحقات نقدية (كاش) للمواطنين لم يتقدموا لتسلمها وبحثت عنهم الشركة ولم تجدهم لكن إدارة الشركة لم تقف مكتوفة الأيدي عند هذا الحد. لم تقل إن تلك الأموال فرصة استثمارية يمكن المراهنة بها في سوق الأسهم أو صناديق "مادوف" ولن يُسأل عنها. أموال ليس لها صندوق خيري ولا أحد – غير الله ثم إدارة الشركة - يعلم عن قيمتها الحقيقية. سعت الشركة للبحث بكل جدية عن هؤلاء المساهمين المستحقين ومعظمهم قد لا يكون من ملاك الشركة حاليا، بل طلق سهم الشركة منذ سنيين عدة لكنه ظل في نظرها مستحقا لنصيبه عندما كان شريكا مقدرا لسهمها. البعض الآخر امتلك سهم الشركة أياما فقط ثم باعه في مضاربات وهو لا يعلم أنه استحق الأرباح فذهب لا يلوي على شيء. كل أولئك تناسوا الشركة لكنها لم تنساهم وتنسى حقوقهم. وكما يسعى الأشخاص الطبيعيون إلى إبراء ذممهم سعت شركة صافولا إلى إبراء ذمتها عن هذه الأموال فأعلنت في موقعها أسماء المستحقين وطريقة الحصول على حقوقهم. بل إن أكثر ما يدهشني في إعلان الشركة تلك الروح التي تعلن بها هذا الموضوع فهي تحث الناس باسم العضو المنتدب أن الشركة "تأمل" لاحظ "تأمل" من أصحاب المحافظ وحملة الشهادات مراجعة قوائم المساهمين المنشورة في موقع الشركة على الإنترنت وعلى الصفحة الرئيسة وستقوم الشركة بتحويل الأرباح المستحقة لهؤلاء المساهمين.
والسؤال الآن هل شركة صافولا فقط تعاني من هذه المشكلة؟ بالطبع لا. بل قد لا يخالفني أحد لو قلت أن جميع الشركات التي أعلنت يوما ما عن توزيعات أرباح، ومهما كان قرب هذا اليوم أو بعده، تعاني تلك القضية. في هذا الشأن لماذا لا يصدر قرار من هيئة السوق المالية – وهي حامي حمى المساهمين والسوق – يجبر الشركات على إعلان التوزيعات والقيام بخطوة إبراء ذمة وفقا لنموذج "صافولا" ومن خلال مواقعها الإلكترونية أو من خلال موقع تداول. كم من مستحق لدى شركة مثل "سابك"، و"الأسمنتيات" و"البنوك" وغيرها كثير؟ ما هو حجم العائد الاقتصادي لو تم ضخ هذه الأموال إلى أيدي مستحقيها؟ هل إبراء ذمة مجلس الإدارة نهاية السنة المالية من عدد قليل من كبار الملاك يبرئ ذمتهم أمام الله عن هذه الأموال المستحقة لعدد ضخم من صغار الملاك؟
ليس فقط الشركات، بل حتى الدوائر الحكومية ومنها المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية، بل الجامعات ومدارس تحفيظ القرآن وهي من أكثر الجهات تعرضا لمثل هذه الظروف بسبب مستحقات الطلاب أو مستحقات المبتعثين وعائلاتهم. كما أن هناك دوائر حكومية لا تفصح لموظفيها في خطابات التكليف عن حقوقهم وبدلاتهم المستحقة عن بعض المهمات المؤقتة لتبقى تلك المستحقات لدى الدائرة الحكومية وفي ذمتها، ومن الموظفين من لا يعلم بهذه المستحقات حتى التقاعد ومنهم من لا يعرف عنها أبدا. كما نطلب من المجتمع إبراء ذمته فإن على المؤسسات والجهات الحكومية (وجميع الشخصيات الاعتبارية) أن تبرئ ذمتها تجاه المواطن البسيط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي