المملكة في صف العالم الأول
بمشاركته في قمة مجموعة العشرين، وبمواقفه المسؤولة والواعية .. وضع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، المملكة العربية السعودية في صف العالم الأول كقوة اقتصادية وسياسية مؤثرة وفاعلة في الميزان الدولي.
وبما أن الدول المتقدمة لا تبني سياساتها على المجاملات أو على تطييب الخواطر و"المحسوبيات"، وهي التي قطعت شوطا بعيدا في أنظمتها الديمقراطية، وإدارة شؤونها الدولية، فإنها حينما تصر على تكريس حضور المملكة في قمة بهذا الوزن، فذلك لأنها تدرك الأسباب الموضوعية التي تدفع بالمملكة إلى هذا الموقع الدولي، ليس فقط كقوة اقتصادية كبرى وحسب، وإنما مراعاة لثقلها الدولي كبلد وازن في معطيات السياسة الدولية، وبنيته الاقتصادية، وكدرع رئيس في معادلة السلام والأمن الدوليين.
والحفاوة الكبيرة التي استقبل بها قادة مجموعة العشرين خادم الحرمين الشريفين في لندن، تعكس بوضوح الرؤية الدولية لموقع المملكة .. كقوة فاعلة على كل المستويات .. ابتداء بسياساتها النفطية التي تقوم على حفظ استقرار أسواق النفط، والمواءمة ما بين حقوق المنتجين والمستهلكين، وبما يجنب تلك الأسواق أيّ هزة قد تؤثر في موازين التنمية الدولية، أو سياساتها الاقتصادية المؤثرة التي تمثلت في إسهاماتها في عدد كبير من الصناديق التنموية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وانتهاء بانتهاج جملة من السياسات المبنية على قاعدة المسؤولية المشتركة. ولعل المساعدات الدولية التي قدمتها المملكة التي تعد إحدى الدول النامية، وتجاوزت مستهدف الأمم المتحدة بالنسبة للدول المتقدمة، وهو ما يبلغ 0.7 في المائة من إجمالي الناتج القومي لصالح المساعدات التنموية الحكومية، كما جاء في مقال خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، الذي نشرته مجلة (فيرست) البريطانية المتخصصة، إلى جانب مقالات لزعماء الدول الأخرى في عدد خاص بمناسبة قمة العشرين .. يؤكد بالفعل حجم الدور الكبير والفاعل للمملكة في ضبط الأمن الاقتصادي الدولي، وهو الدور الذي كان محل تقدير كل القيادات العالمية.
وإذا ما وضعنا كل هذا الدور الاقتصادي شديد الأهمية إلى جانب تلك الإصلاحات التنموية التي قادها خادم الحرمين الشريفين، والإجراءات الحكيمة في مواجهة الأزمة المالية التي استهدفت إتاحة السيولة وضمان الودائع وزيادة مشاركة المؤسسات المالية الحكومية في توفير التمويل، إضافة إلى وقوف المملكة بثبات فيما يتصل بمبادرة السلام، والسعي الجاد من أجل تحقيق السلام العادل في المنطقة، لتجنيبها مفاعيل التوترات .. كل هذا يجعل منها محورا رئيسيا لا يُمكن الاستغناء عنه أو تجاهله في سياق قيادة العالم إلى بر الأمان سياسيا وأمنيا واقتصاديا .. لذلك كان هذا الحضور الدولي والفاعل للمملكة في صفوف الكبار في أعنف وأشرس هزة يتعرض لها الاقتصاد العالمي منذ أواخر الثلاثينيات، خير دليل على نجاح هذا الوطن بقياداته المسؤولة، وسياساته الرشيدة التي تدرك أن الرخاء لا يُمكن أن تغلق عليه الأبواب، مثلما أن الركود لا يُمكن أن توصد دونه الأبواب .. على اعتبار أن الاقتصاد منظومة واحدة يجب أن يعزز بعضه بعضا لينهض ويتعافى، وهذا ما دفع المملكة للتأكيد على التزامها بالتجارة الحرة والاستثمار والوقوف ضد أيّ خطوات نحو الحمائية.
غير أن الأهمّ في هذا الحضور الدولي للمملكة ممثلة بقائدها وما يمثله من وزن دولي كبير هو محل احترام العالم بضفتيه، هو ربط خادم الحرمين الشريفين الاستقرار الاقتصادي بالنزاع العربي - الإسرائيلي وتفويت إسرائيل الفرصة المرة تلو الأخرى على مبادرة السلام، مما سيكون له أكبر الأثر في الدفع بقضية الأمة إلى أعلى مراكز القرار لحلحلتها وفك تعقيداتها خصوصا بعدما تاهت القضية ما بين التعنت الإسرائيلي وأروقة الخلافات والمزايدات العربية والإقليمية.