حرب أفغانستان تدمير بلا هدف
كتبت منذ عدة أشهر مقالاً تحت عنوان: "لعلها كانت زلة لسان من أوباما "، ("الاقتصادية" 7 ديسمبر 2008م)، قلت فيه إن باراك أوباما عند ما صرَّح أثناء حملته الانتخابية أنه سيسحب القوات الأمريكية من العراق ويدعم بها القوات المقاتلة في أفغانستان، أنه ربما لم يكن جاداًّ في ذلك نظراً لقلة خبرته قي الشؤون الخارجية وضآلة معلوماته عن وضع وتاريخ تلك البلاد. ولكن يظهر من كلامه اليوم أنه ماض في تنفيذ ما وعد به من إرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى هناك، وهو دون شك قرار خاطئ لأنه مبني على مبدأ سياسة جورج بوش المشؤومة. وكان الأجدر به أن يتريث قليلاً، وأن يستشير خبراء من خارج شلة الحكومة السابقة، التي كانت سبباً في تورط أمريكا في مستنقع أفغانستان.
بلاد الأفغان لها تاريخ حافل ومليء بالأحداث والحروب، وأهلها مشهورون بشدة المراس وعدم قبولهم الضيم والاحتلال. وكان من المفروض أن الأمريكان قد تعلموا درساً مما حصل للبريطانيين أثناء احتلالهم أراضي أفغانستان، وأخيرا ما حدث لقوات الاتحاد السوفياتي التي حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن تهيمن على شعوب أفغانستان، ولكنها بعد اليأس اضطرت إلى انسحاب غير مشرِّف. وربما أن هزيمة الروس في أفغانستان كانت من الأسباب التي أدت مع عوامل أخرى إلى انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي.
وإذا كان مستشارو باراك أوباما ينصحونه بمحاولة القضاء على قوات طالبان وعلى إخطبوط القاعدة فهي نصيحة في غير محلها فأفراد جيش طالبان ومؤيدوهم هم أكثر من نصف سكان البلاد ولا يمكن لقوة أن تمسح وجودهم من الأرض مهما طال الزمن. وأما فلول تنظيمات القاعدة فهم غير مرئيين ولكنهم موجودون في كل مكان. لقد أصبح من المألوف أن يُطلق اسم القاعدة على كل مجموعة خارجة عن القانون، سواء كانت تخضع لأوامر رموز القاعدة المختفين بين جبال أفغانستان أو مستقلة بنفسها. وإذا كانت جيوش الرئيس باراك أوباما تظن أنها ستتغلب على "أشباح" القاعدة فهم مخطئون. ولولا كثرة هذر الرئيس السابق جورج بوش عن الإرهاب والقاعدة واعتداءاته الظالمة على بلدان آمنة لما ظهرت تلك المجموعات الخارجة عن القانون في بلدان كثيرة وتبنيها مبدأ التحدي والعنف ضد النظم القائمة. الرئيس بوش هو الذي عظَّم من شأن القاعدة وهوَّل من أمرها حتى ظنت أنها فوق الجميع. ولو أمسك الناس الحديث عن تلك المجموعات الضالة، والتي حتماً لا يعرف بعضها بعضا وتركوهم وشأنهم في أفغانستان، لما تنامت قدرتهم وزاد انتشارهم في عدد من البلدان.
أمريكا في حاجة إلى تغيير جوهري في سياستها الخارجية مبني على عدم الاعتداء والكف عن شن الحروب على الشعوب الآمنة بأسلحتها الفتاكة. وأفضل عمل يقوم به الرئيس أوباما لمصلحة أمريكا نفسها هو سحب القوات المحاربة من العراق ومن أفغانستان بأسرع وقت ممكن. وإذا يريد أوباما خيراً للشعوب التي دمر الرئيس السابق بوش بنيتها التحتية وقتل مئات الألوف من أبنائها وشتت شملها، فليخصص لها نسبة قليلة من مليارات الدولارات التي كانت أمريكا تصرفها على عملياتها العدوانية كتعويض لهم ومساعدة لبناء ما دمره الغزو الأمريكي عبر سنوات طويلة. الولايات المتحدة الأمريكية في أمس الحاجة اليوم إلى بناء الثقة بينها وبين معظم شعوب العالم الثالث، وذلك باتباع استراتيجية سلمية إقليمية مع جميع الدول المحبة للسلام وإبعاد الحلول العسكرية عن السياسة الخارجية.
ويا ليت الرئيس أوباما بما عُرِف عنه من قوة الشخصية والرؤية البعيدة يبادر خلال أولى مراحل إدارته إلى بذل مجهود مخلص من أجل حل القضية الفلسطينية المزمنة. فلا أحد يستطيع أن يقلل من مقدرة الولايات المتحدة على لعب دور فعال تجاه هذه القضية التي كانت سياستها وتحيزها الفاضح مع العدو الصهيوني من أهم أسباب فشل حلها، لكون أمريكا هي الممول الأول لإسرائيل بالمال والسلاح والوقوف معها دائماً ظالمة أو مظلومة. لقد بلغ الإجرام الصهيوني حداًّ لا يمكن تحمله من الصلف والعنجهية والاستكبار والظلم بحق الشعب الفلسطيني الأعزل والعالم لا يحرك ساكناً، لأن أمريكا ليست فقط تحمي وتدعم إسرائيل، بل إنها تشجعها على شن الاعتداءات المتكررة وتسميها دفاعاً عن النفس. وربما وجود حكومة متطرفة الآن في إسرائيل سيزيد من صعوبة التعامل معها حتى من جانب "وليِّ أمرها" الولايات المتحدة. ولكن لا عذر لأمريكا وهي التي تغذِّي اقتصاد إسرائيل وتسلح جيشها وتمنحها كثيرا من المميزات السياسية والإعلامية، فهي تستطيع أن تتعامل معها بالطريقة التي تتناسب مع قيمة وقدر الولايات المتحدة في نظر إسرائيل.
ولا نبالغ إذا قلنا إن أغلب الحروب في منطقة الشرق الأوسط وما يسمى بالعمليات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة خلال الـ 60 عاما الماضية كلها كانت بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. ولو قدَّر الله وحُلت القضية الفلسطينية لتغيَّر الوضع الأمني والسياسي في الشرق الأوسط إلى الأفضل، مع انعكاس إيجابي على العالم أجمع. إنها العقدة التي يحتاج حلها إلى شجاعة نادرة من باراك أوباما. ولا نعلم متى يعلم يهود إسرائيل أن حلَّ القضية الفلسطينية حلاًّ سلمياًّ سيجلب لهم الأمن والسلام رغم كل ما فعلوه في فلسطين من قتل ودمار ونهب للأراضي والممتلكات. وأنهم سيجنبون أجيالهم التعرُّض لكوارث حتمية حالما تدور عليهم الدوائر إذا ظل الوضع على ما هو عليه اليوم. وأين ما يسمى بحكماء صهيون، إن كان منهم فعلاً حكماء، كي ينقذوا شعبهم من الهاوية التي هم في الطريق إليها. واليهود يقرؤون التاريخ ويعلمون أن الحماية الأمريكية التي يتمتعون بها في وقتنا الحاضر لن تدوم لهم. لقد تغيرت حال حكومات وشعوب وأمم عبر التاريخ، ولم ينفعها طغيانها وكبرياؤها فأتاهم أمر الله من حيث لم يحتسبوا. والعقلاء منهم، ولا نقصد أشباه نتنياهو وليبرمان وبقية الزمرة الحاكمة، يعلمون أن البحر أمامهم وأصحاب الحق من الشعب الفلسطيني من خلفهم ولا مفر من التسليم.