صيد الكتب

كما يحتاج الصياد إلى البارودة والذخيرة واللباس والخريطة والبوصلة، كذلك الحال في رحلات مغامرات الأفكار لصيد الكتب. فمن وقع على صيد ثمين كان محظوظا، ومن رجع كحاطب ليل أو ماسكا خفي حنين كان من الخاسرين.
ومن لا يعرف الصيد ويرجع بصيد، يصبح مثله مثل من اشترى الغزلان والأرانب وسمك القرش في طريق العودة مدعيا رحلة بر وبحر، وهو يخدع نفسه قبل الآخرين.
وفي معرض الكتاب في الرياض عام 2009م اجتمعت أكثر من مائتي دار فكانت سفاري رائعة، بفارق أنها شحيحة الموارد عظيمة المخاطر، التهمتها كتب التراث وزحف إليها الفكر العتيق، ولا يستحق المرء أن يشتري منها عشرين كتابا.
مع ذلك فالهامش في الممنوعات والمحرمات والمحظورات وعلى القائمة السوداء خفت، وهو يؤكد المبدأ الرابع لهيروقليطس عن الصيرورة، وسوف تخف أكثر، لأن المراقبة المسكينة ضربت بزلزال من تسونامي الإنترنت، فكان مثل رجال المراقبة والمطاردة، مثل ساحرات العصور الوسطى يحاولن صيد أطباق فضاء بالمكانس؟
وأنا أمام هذا المنظر أضع يدي على بطني ضحكا من موقفهم، وأذكر أيام اقتحام صناديق البريد، وإلقاء القبض على مقالة علمية، تعد في نظرهم منشورا سريا خطيرا؟
لقد مضت أيام المراقبة والمطاردة؛ فأصبح الناس بنعمة الإنترنت إخوانا، وحطم العلم الجغرافيا في حملة موفقة، وسيأتي وقف تحطيم الزمن أيضا واختراق مسلمات النسبية، فليس من تابو أمام العقل البشري؟
التابو هو مسلماتنا البئيسة في عقولنا المحدودة؟
وخبير الكتب هو من يمسك بالفريسة قبل أن تطير بكلب معلَّم وباز وباشق.
وأنا وأخي البليهي فيلسوف القصيم، بقينا لأكثر من ربع قرن في مطاردة كتاب (الطب التجريبي) لكلود برنارد، حتى عثر عليه أخ تشادي في مكتبة الإسكندرية؛ فتحايل بطريقة أمكنته من تصوير الكتاب، ففرحنا بقدر رزق أحدنا غلاما زكيا؟
وأنا شخصيا رزقت طفلين توأم في معرض الكتاب، عفوا صدر لي كتابان؛ رسالة في الاستبداد، و(من أنا) فلسفتي على خطى العلم والسلم، وأعتبر كل كتاب يصدر لي ولدا غير بيولوجي، فتبارك مانح القوة لأرحام المطابع، في نشر الفكر دون رقيب.
والعثور على كتب مفقودة، هو مثل رحلة البحث عن سفن قراصنة الكاريبي، أحيانا تجتمع بها إن كنت محظوظا بتقنيات مسح القيعان، وأحيانا يضرب معك الحظ، كما هو في كنز جبل طارق الذي يتم البحث عنه وهو بقيمة ملياري يورو، وكان شحنة هائلة من الذهب أرسلته سيدة القراصنة بريطانيا، لتأجير جيش في ولاية سافوي لطعن فرنسا من الخلف؛ فضاعت الشحنة وخابت الطعنة، وهما اليوم يجتمعان في نفق المانش، والتاريخ يضحك من سخف عقول السياسيين. وكتاب مثل هدفيلد في علم النفس (تحليل نفسي للخلق) مضى عليه أكثر من سبعين عاما، لا يمكن العثور عليه في أي مكتبة، لذا فالنصيحة أن من عثر على كتاب قيم أن يسرع بتصويره وضمه لذخائره الفكرية، ولكن من يفعل هذا سوى أندر الندرة، ممن يعرفون قيمة الكتب مثل خبراء لؤلؤ البحرين وماس جنوب إفريقيا.
وكنت في حديث مع الرجل الناجح صديقي ناصر المطوع - حفظه الله -مؤسس شركة سمامه (الناقة البيضاء سريعة الجريان) استحثه على إعادة نشر ذخائر الفكر، مثل المحافظة على الحيوانات النادرة من فصائل الطبيعة، فكان رأيه أنه مشروع عملاق يجب أن تقوم به مؤسسات عملاقة أو دول غنية، وأغنيتي أنا تدور حول قريب من 500 كتاب وهو موضوعي الذي تقدمت به في محاضرتي في مكتبة الملك عبد العزيز عن تجاربي مع الكتب. فهل من مستجيب لهذا المشروع ومشروع الجينوم القرآني في تفسير عصري بالصوت والصورة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي