مركبات الغاز الطبيعي وأثرها في مستقبل النفط في مجال النقل

لقد تطرقنا في مقالات سابقة إلى التحديات الرئيسة التي تجابه الصناعة النفطية في الوقت الحاضر والمستقبل، في هذا الصدد تم التعرف بصورة عامة على طبيعة ونوعية الوقود المستقبلي المستخدم في مجال النقل، وأبرزنا في هذا السياق أن السياسات والتشريعات الخاصة بتنظيم انبعاثات الغازات الدفيئة، ومنح التسهيلات والإعفاءات الضريبية للمركبات العاملة بأنواع الوقود البديلة، قد تكون لها تأثيرات سلبية في مستقبل النفط في مجال النقل، وهي اليوم أكثر من أي وقت مضى. في هذه المقالة سيتم التعرف بصورة أكثر تفصيلا على المركبات العاملة بالغاز الطبيعي وأثرها في مستقبل النفط في مجال النقل. ولكون الولايات المتحدة أكبر مستهلكي النفط في العالم، حيث تستهلك وحدها نحو 25 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط، ولوفرة البيانات والإحصاءات فيها في هذا الخصوص بتفصيل ودقة وافية، معظم الأمثلة في هذا المقال مستقاة من إحصائيات وزارة الطاقة الأمريكية US DOC.
يعد الغاز الطبيعي واحدا من أنظف أنواع الوقود والأكثر وفرة عالميا. من حيث الاستهلاك يمثل الغاز أكثر من 20 في المائة من إجمالي استخدام الطاقة في الولايات المتحدة، ولكن يمثل فقط نحو 2 في المائة من الطاقة المستخدمة في مجال النقل في الولايات المتحدة، على الرغم من أن تقنية استخدام الغاز الطبيعي في مجال النقل (سيارات الغاز الطبيعي) كانت متاحة منذ أواسط القرن الماضي.
لقد استغرق وصول عدد السيارات العاملة بالغازالطبيعي إلى نحو 1.5 مليون سيارة في العالم أكثر من 50 عاماً بحلول عام 2000. ومنذ ذلك الحين ازداد عدد السيارات العاملة بالغازالطبيعي زيادة مطردة ليصل عددها إلى أكثر من سبعة ملايين سيارة في العالم، أي بمعدل نمو سنوي يناهز 25 في المائة أو أكثر بقليل. بصورة خاصة ازداد استخدام السيارات العاملة بالغاز في أوروبا وأمريكا الجنوبية، بسبب المخاوف البيئية وارتفاع أسعار النفط الخام والبنزين والديزل.
لقد بينت دراسة قامت بها أخيرا وزارة الطاقة الأمريكيةUS Department of Energy، أن أسعار الوقود البديلة مقارنة بأسعار الوقود التقليدية تختلف حسب نوع الوقود، حيث إن بعض أنواع الوقود البديلة مثل وقود الديزل الحيوي، والبروبان، يكون أعلى تكلفة، بينما بعضها الآخر مثل (85 الإثيلين) ووقود الغاز الطبيعي المضغوط تكون أقل تكلفة، حيث إن أسعار وقود الغاز الطبيعي المضغوط أقل بنحو 1.03 دولار من البنزين على أساس متكافئ للطاقة energy-equivalent basis، في حين (85 الإثيلين) أقل بنحو 22 سنتا/جالون من البنزين. ولكن المركبات العاملة بالغاز الطبيعي تعد أكثر تكلفة من المركبات العاملة بالوقود التقليدي، وذلك بسبب الحاجة إلى خزانات وقود خاصة وتعديلات كبيرة في المحرك. المركبات الثقيلة العاملة بالغاز الطبيعي مثل الشاحنات والحافلات، عادة ما تستخدم الغاز الطبيعي المسال بدلا من الغاز المضغوط، وذلك لكبر المحركات. إن أكثر مجال متعارف عليه في الولايات المتحدة لاستخدام الغاز الطبيعي في مجال النقل هو مجال حافلات النقل transit vehicles العاملة بالغاز, ففي عام 2006، نحو 15 في المائة من مركبات النقل في الولايات المتحدة كانت تعمل بواسطة الغاز الطبيعي، التي عوضت عن استخدام نحو 109 ملايين جالون من وقود الديزل.
لقد استخدم البروبان LPG كوقود بديل في مجال النقل منذ أربعينيات القرن الماضي، كما أنه يأتي في المرتبة الثالثة كأفضل وقود مفضل في مجال النقل في الولايات المتحدة بعد البنزين ووقود الديزل، حيث تقدر وزارة الطاقة الأمريكية US DOC أن هناك أكثر من 270 ألف مركبة تعمل بالبروبان في الولايات المتحدة, وأكثر من عشرة ملايين مركبة في جميع أنحاء العالم. كما قدرت وجود أكثر من 2500 محطة تعبئة للبروبان في الولايات المتحدة لاستخدامات المركبات فقط، التي تعد أكبر من أي نظام للوقود البديل في الولايات المتحدة.
أما بخصوص وقود الغاز الطبيعي المضغوط، فقد بينت إحصائيات وزارة الطاقة الأمريكية وجود أكثر من 120500 مركبة على الطرق في الولايات المتحدة، منها 98300 مركبة في القطاع الخاص، والباقي في أساطيل الشركات.
من مجموع المركبات العاملة بالغاز المضغوط في جميع أنحاء العالم، 48 في المائة منها في أمريكا الجنوبية فقط. الأرجنتين والبرازيل لديهما أكبر أسطول من المركبات العاملة بالغازالمضغوط، معظمها مستخدم كسيارات للأجرة, خصوصا في المدن الكبرى، حيث إن في الأرجنتين توجد 1.69 مليون مركبة تعمل بالغاز المضغوط، أي بنسبة 15 في المائة من إجمالي عدد المركبات العاملة بالغاز في العالم، تليها البرازيل بنحو 1.56 مليون مركبة. أما في أوروبا، فإيطاليا تملك معظم المركبات العاملة بالغاز المضغوط، وتحتل المرتبة الرابعة عالميا في هذا المجال. كما تستخدم المركبات العاملة بالغاز المضغوط في كل من إيران، باكستان، بنجلادش، والهند.

حسب توقعات رابطة صانعي الوقود العالمية، النمو السنوي للسيارات العاملة بالغاز الطبيعي سيكون في حدود 18 في المائة، أي سيكون هناك أكثر من 65 مليون سيارة عاملة بالغاز بحلول عام 2020، وهو ما سيمثل نحو 9 في المائة من عدد المركبات العاملة في العالم، وإن هذه الزيادة من المتوقع أن تحد من الطلب على النفط بنحو سبعة ملايين برميل يوميا، حسب توقعات تلك الرابطة. وتشير الرابطة نفسها إلى أن كثيرا من الشركات المنتجة للغاز وكذلك تلك العاملة في مجال توصيل ونقل الغاز، تتوقع أن الاستهلاك العالمي للمركبات العاملة بالغاز الطبيعي سيكون بحدود 400 مليار متر مكعب في السنة بحلول عام 2020، أي نحو 16 في المائة من إجمالي الطلب العالمي على الغاز اليوم.
أما في الولايات المتحدة، من المتوقع أن المركبات العاملة بأنواع الوقود البديلة ستمثل نحو 10 في المائة من مجموع المركبات العاملة في الولايات بحلول عام 2020، في ذلك الوقت من المتوقع أن يصل إجمالي عدد المركبات إلى نحو 286 مليون مركبة، ذلك حسب توقعات وزارة الطاقة الأمريكية US Department of Energy. ولتحقيق هذا الهدف، فإن حكومة الولايات المتحدة ستقوم بتقديم حوافز، بما في ذلك ائتمانات ضريبة في حدود 50 سنتا/جالون إلى وقود الغاز الطبيعي المضغوط ووقود الغاز الطبيعي المسال. كما أنها ستقدم إعفاءات من الضرائب في حدود 30 في المائة من تكاليف البنية التحتية تصل إلى ألف دولار لإعادة تزود الأجهزة المنزلية بالوقود, أو نحو 30 ألف دولار للمشروع التجاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي